عبد الرحمن درَسَ اللغة العربية في كلية ، أنهى دراسته بتفوق وجدارة ، حصل على شهادة الامتياز ، تسجل للبحث عن وظيفة ، قيل أن منطقة سكنه والجوار مكتظة ولن يتم تعيينه في الفترة القريبة ، عرضوا عليه السفر ليُدرّس طلاب النقب أو مدارس القدس لنقص المعلمين الحاد هناك.
يُدرّس عبد الرحمن منذ أربعة أعوام في النقب ، وكل عام يقدم طلب انتقال لمنطقه سكنه فيرد عليه بالرفض بحجة عدم وجود أماكن عمل ، وأن أمامه عدد كبير في قائمة الانتظار.
سعيد درَسَ اللغة العربية في ذات الكلية ، أنهى دراسته بتأخر عام ، علاماته متواضعة ، تسجّل للبحث عن وظيفة فحصل على نصف وظيفة في بلده مع وعد بوظيفة كاملة العام القادم ، بعد الفصح تبين أن المفتش قريبه وساهم بايجاد الوظيفة ، أما عبد الرحمن فقد تزوج وأنجب وما زال ينتظر في صحراء النقب.
تُخرج الكليات وجامعات البلاد الاف المعلمين سنويا ، درسوا على أمل أن يجدوا وظيفة ليعملوا ويُحَصّلوا قوت يومهم ، يبنوا مستقبلهم ، عدد لا بأس به منهم كان بامكانه ايجاد اماكن عمل لو أن وضع التعليم في الوسط العربي صحي صحيح ، لكن حال التعليم في الوسط العربي مُتدنّي ، فتنقص الاف الغرف والساعات التعليمية ، لا يحرك أحد حيال ذلك ساكنا ، البلدية تتهم وزارة المعارف بعدم توفير الميزانيات ، ووزارة المعارف تتهم البلدية بعدم التخطيط ، الضحية أبنائنا الطلاب والخريجين المتسجلين للعمل كمدرسين ، كما وان المدرس المخضرم يدخل صف أمامه 40 طالبا بدلا من 30 على سبيل المثال ، هو ضحية ، فعليه أن يقسم مجهوده على كافة الطلاب، مما يقلل الوقت المخصص لكل طالب ، ويرهق نفسه ، فلا يُعطى كل ذي حق حقه.
يَخرُج للتقاعد كل عام عدد من المدرسين ، ويجب سد الثغرة التي تركوها ، المنطق البسيط يعطي الأولوية للخريجين السابقين طالبي التوظيف ، مع إعطاء تحصلهم العلمي وحيازتهم الألقاب حيزا في القرار ، هم أوْلى ممن يليهم في القائمة ، لكن نجد أن التطبيق الفعلي مختلف ، نجد أن قائمة الأسماء يتغير ترتيبها ويبدأ خريج هذا العام مزاولة مهنته ، خريج اربعة أعوام سبقت ينتظر ، يعود القرار لأصحاب السلطة والشأن ، حيث نرى تمييزا واضحا صارخا بين الخريجين ، فأقارب المفتش وأصحاب المناصب يتم تعيينهم مباشرة وتفضيلهم على الآخرين ، كأن الوزارة حديقتهم الخاصة يقلموها كما يحلو لهم بغير حق ، ظلم وخيانة للأمانة وتفضيل المصلحة الخاصة على المصلحة العامة ، هذا يضر بمدراسنا وبمستوى التعليم والطلاب ، يضر بالرقعة الإجتماعية ، فان تسجلت لأعمل في المدينة وقد تخرجت منذ أعوام وأرى ان جاري قريب المفتش تم تعيينه مباشرة فان أتراجع عن تقديم شكوى للوزراة ، لربما اتوجه للقضاء ضد هذا التعيين ، لا لأني أريد أن أضر جاري ، إنما لأني ظـُلمت واضطهدت وتم تفضيل شخص مساوٍ لي عليّ بسبب صلة القرابة مع مفتش أو صاحب سُلطة وقوة.
لنحافظ على أنفسنا وعلى طلابنا ، على مجتمعنا وعلى معلمينا ، على مدارسنا وعلى خريجينا ، يجب ان نعمل بمهنية بعيدا عن المحسوبيات ونتق الله في أعمالنا وخطواتنا ، لنفكر ونخطط كيف نرتقي بالمجتمع ونأتي عليه بالفائدة ، لا أن نهدم التعليم الذي هو من الأساسيات لبناء مجتمع أفضل ، لنرتقي بشعبنا.