تحت عين الرقيب

وَمَنْ يَتهَيّبُ صُعودَ الجِبالِ ..... يَعِشْ أبَدَ الدهْرِ بَيْنَ الحُفَرِ


بقلم الاستاذ عبد الرحيم داود كبها – ام القطف


في هذه الايام اجد نفسي احن الى الماضي بكل ما فيه هذه الايام تذكرني بايام القرية الصغيرة الشتاء في العقدين السادس والسابع من القرن الماضي قرية صغيرة بين الاحراش قرية لا فيها كهرباء ولا ماء ولا طريق معبدة ولا اية طريقة اتصال مع العالم كان يأتي الشتاء واكثر ما اذكر حديث امي رحمها الله عن المربعنية وهي الفترة الممتدة بين 22-12
وحتى 2-2, الحديث عن البرد والتدفئة على الحطب في بيت الطين القديم والليالي التي نقضيها على القصص من "نص نصيص" والست بدور وابو فريو والشاطر حسن والشاطر محمد عداديسة وبنت الغول وفي النهار نقضيها في اصطياد العصافير والبحث عن الدود(طعم للفخاخ) ولم العجول والسخول والخراف من المرعى الى البيت ونحن في هذه السعادة من الشقاء كنت اسمع امي رحمها الله وقد اعياها التعب بتقول "وينتا تكبروا يا صغار وتقيموا عني كل معيار" وتوفيت رحمها الله في سن الـ76 وغبرة الارض على اقدامها.
كم كنا ننتظر عودة البقرات من المرعى وضروعها تكاد تتفجر من الحليب وكانت بعضها ضروعها لا تتحمل الوصول الى البيت فيبدأ الحليب يتفجر على الطريق وها هي وصلت البقرة حمرة فتبدأ امي رحمها الله بالغناء "هلا حبيبتي هلا هلا بروحي هلا مربتة ومغنية لها "يا حمرة في المراعي لا تضربها يا راعي لا تضربها تزعلها ولا تدلي برطامها " "حبيبتي لا تنقلي حبيبتي " عندها كانت البقرة تخضع واقفة مستسلمة مسلمة ضرعها لاصابع امي وهي تحن من طريقة الغناء واليوم اسأل نفسي عندما يتحدث مزارعوا التكنولوجيا عن الموسيقى التي يسمعونها لابقارهم كي تعطي المزيد من الحليب اين موسيقاهم من غناء امي ,في البر كنا زي العصافير البرية ونعرفها باسماءها لا نخطئ كنا نعرف الكركس (الذعرة)بلونها الرمادي ومشيتها الحذرة كنا نعرف ديك السمن والسودة والكحيتي "وسراق حنا امو" والفسفس والبلابل بانواعها والزريقي والخضر والخطاف والقمري المشور نقلد اصواتها ونوجهها نحو الفخ المطمور بالتراب الناعم الا من (الطعم) وكنا عندما نمر بالحراث وهو يضغط على كابوسة العود وبيده المنساس "الله يعطيك العافيه حراثك ترابه مثل تراب الفخة " ويبقى الفلاح يصيح في الرواح عرم خاير وفي العودة خير عاود وعلى غدران المياه كان الراعي ينفخ الحانه الحزينة من اغانيه المحننة "يا ميمتي يا يمة تحت القمر زوالي مدري المحبة من الله والا حدا سوالي يا ميمتي يما تحت القمر لملومي مدري المحبة من الله والا انكتب بهدومي.

وعن وصول الماعز السمراء الى غدير الماء ياخذ الراعي قرن ثور يكون معلقا في عنق الكراز(الفحل) ويرش نقاط من القطران وهي مادة مصنوعة من صمغ الصنوبر لها رائحة طيبة ويصيح ويح ويح ويح اووه ويرد الابقار بعد الماعز ويصيح راعيها درهي درهي درهي ويتملأ المراح حيث تستريح وعندما تستريح نخرج من حيث الماء الى المرعى من جديد عندها كنا نقول صدرت القطعان كان الرعاة في غاية اللطف مع قطعانهم واين رعاة البشر اليوم؟ كنا ننتظر ولادة بقرة او عنزة لانها في تلك الليلة سنأكل اللباء وهو اول حليب بعد الولادة يكون متخثرا مائلا الى الصفرة فيه حلاوة وكنا في هذه الايام كنا ننقع الشكوة (القربة) كي تلين لنبدأ بخض اللبن وشرب المخيض وأكل الزبدة مع السكر وعندما تهتري الشكوة كنا نجمع اما كاسات البلوط او قشرة الجذر لكي ندبغ جلد ماعز جديد نصنع منه قربة جديدة واذا وجد السماق افضل من قموع البلوط ,كانت امي رحمها الله تغلي شرائط قماش خاص بالجبن مصنوع من الياباني لونه ابيض تغليه وتنشره على السريس لانه لا حبل غسيل لدينا .

اول سعد ذابح تظهر في قدر امي رحمها الله طبخات اللوف الخبيزة والعكوب والحميض باقراصه وكنا نصنعه في الطابون هو والزعتر البري ومحشيات الزعمطوط واللسينة اه على نكهة اللسينة باخرها قبل البلع وعندما تبلعها امتق ريقك وشوف ولا تنسى القرصعنة مع الزيت والليمون والحويرة (جرجير الوديان) مع اللبن هذا المذاق الربيعي يخالطه منظر الازهار البرية الجميلة حيث اليوم كدنا نودع شقائق النعمان (الحنون) وظهر البرقوق او البيرق في الحقول . كنا نلعب في هذه الوهرة قبل تفتيحها فرس ابوك حمرة والا بيضة وكذلك البسباس كنا نلعب عروس وعريس او شايب شاب وكذلك مر علينا النرجس بطيب رائحته وانانيته ونظرته الى نفسه يكاد يعبدها اعتقد انه من هنا اشتق مصطلح "النرجسية" , في طريقنا نمر بالحراثين يحرثون حراثة كانوا يسمونها شقة فرخة نسمع لاغانيهم المخلوطة بعرقهم ينتظرون الحصاد والناتج الوفير اغانيهم تشق الفضاء.

الله عليك يا لبن الشوالي يا لحم هروش مع ورق دوالي ايام احن اليها فلا اجدها فابكي لفقدانها كما يبكي هذه الايام اليمام في مراعي بلادي "يا جوختي حطيتها عالشجرة وما لقيتها يا جوختي " او عندما يأتي الخطاف لياكل القاقوب وهي حشرة تلسع البقر وتمنع راحته طوال شهر اذار هذا الخطاف يدعو الحراثين بلحن يترجمونه "خطط " أي ازرع السمسم والذرة بالخطوط أي الاتلام ويعود بعدها ليقول لهم مترجما بلحنه احصيد ادق امخيض يلق أي دقوا الحصاد وخضوا اللبن .
احن واكاد ابكي

0 التعليقات:

إرسال تعليق