تحت عين الرقيب

وَمَنْ يَتهَيّبُ صُعودَ الجِبالِ ..... يَعِشْ أبَدَ الدهْرِ بَيْنَ الحُفَرِ

عبد الحكيم مفيد


كنا نعلم أن صورتي السيد حسن نصر الله والشهيد عماد مغنية اللتين رفعتا في مسيرة يوم الأرض في سخنين ستكونا مركز اهتمام الإعلام الإسرائيلي، هؤلاء في العادة يبحثون عن الحجر الذي "يقلع العين"، وتغطي صورته في اليوم التالي، أو في نفس اليوم كل حياتنا نحن العرب، وتصبح بفعل التحريض "صورتنا" التي يريد الإعلام الإسرائيلي، "صورتنا" التي تبحث عنها كاميرا، وعندما لا تجدها تصاب بخيبة امل، وتعود ب"خفي حنين" إلى البيت.

هذا الكلام نحن نعرفه، بفعل التجربة، ليس في الأمر شيء جديد، نحن بالنسبة لهم "صورة" مطبوعة في الدماغ والعقل، مرسومة منذ سنوات، ونعلم أن مظاهرة سخنين الكبيرة بدون صور السيد حسن نصر الله والشهيد عماد مغنية ما كانت لتحتل الصفحة الأولى في الصحف الإسرائيلية، وما كانت لتستحوذ هذا الاهتمام، نحن نعرف ذلك ولا نحتاج إلى شرح مستفيض، لكن هذا لا يمنعنا أن نتوقف قليلا.

ليس الإعلام الإسرائيلي هو الذي يشغلني، وليست الصورة التي يعرضها هي التي تقض مضاجعي، فهذه مسالة محسومة، لا تهمني، ولا انشغل بها، لأن "تحسين" الصورة هناك هي مجرد وهم مفترض أولا، ولان الإعلام الإسرائيلي لا يتصرف بخلاف ما تتصرف الشرطة وحرس الحدود من حيث المنطلقات والمبدأ تجاهنا.

السؤال المهم للغاية هو لماذا من المفروض ان نخرج نحن من توازننا، إلى حد الشتيمة والاتهام بالخيانة، والردح غير المفهوم لتفسير رفع صورتي نصر الله ومغنية؟ ولماذا إعلان البراءة إلى هذا الحد من الصور وأصحابها و"تخوين" من رفع هذه الصور بواسطة مقال نشر في صحيفة عربية يومية.

ما الداعي للانشغال إلى هذا الحد بالصور، إذا كان رفع الصور بحسب البعض هو "حدث هامشي" للغاية، لماذا هذا الشعور بالذنب وقول ما يقال وما لا يقال إلى الحد الذي يتهم به الذين رفعوا الصور أنهم "اعشاب ضارة"، ولماذا الدخول في خانة الدفاع عن النفس بسبب صور يعتقد البعض أنها "مضرة"، هل يعقل أن يصل الحد بنا إلى حالة هستيرية بسبب "صورتين"، ننسى بعدها كل شيء، ونحاول أن نثبت للرأي العام الإسرائيلي الذي "يكن" لنا كل التقدير والمودة، أننا بريئون براءة الذئب من دم يوسف من صورتين، وأننا نؤكد أننا لسنا مع حزب الله وأننا "جزء من المجتمع الإسرائيلي"، وأننا كذلك "نحب القانون" وان من فعلوا ذلك هم "إعشاب ضارة" أو "خون" ، ما الحاجة لكل هذا الكلام، هل هكذا سنقنع الرأي العام الإسرائيلي أننا لسنا كما يعتقد، هل هناك داع أصلا لمثل هذا الكلام؟


كانت هناك مظاهرة كبيرة، ومشاركة كبيرة، وحدث كبير، هذا هو المهم، في العادة نعرف أن الإعلام الإسرائيلي يبحث عن "الصورة" التي يحبها، وهو يحبنا "متطرفين" و"ملثمين" و"ضاربي حجارة" و"مثيري شغب" ، و"قتلة" و"قذرون" و"مغتصبين"، إذا لم يجد هذه الصورة أوجدها، أو وكان شيئا لم يكن، أي كان بالإمكان ان تظهر مظاهرة سخنين أمس في صفحة الوفيات، بدون صور نصر الله ومغنية، أو حتى أن لا تظهر أصلا.

المشكلة عندنا ما زالت نفسها، تلك التي نعاني منها، الاعتقاد أن شكل التظاهر عندنا وشكل ترديد الهتافات، هو الذي سيغير "صورتنا" هناك، هذا لم يحدث ولن يحدث، لان الصورة مرسومة في الوعي، محفورة عميقا في العقل، مبنية على أساس إيديولوجي أولا، الصورة التي يرسمها الإعلام الإسرائيلي ليست نابعة من الصور التي نرفعها، بل من الموقف الذي يحمله هذا الإعلام، ومن شدة خوفنا على صورتنا المشوهة، ومن شدة قلقنا على أنفسنا بتنا منشغلين في "الصورة" التي يجب أن نوفرها لصحفي أو مصور يؤدي خدمته العسكرية في الأراضي المحتلة، أو على احد الحواجز العسكرية، ويمارس كل إشكال العسكرة والقمع، ويعرف قبل أن يكتب أو يصور أننا عدو أولا ، على هذا الأساس يتعامل معنا الإعلام الإسرائيلي.

ما زلت على قناعة أيضا انه لا حاجة للقيام بأي خطوة لا معنى لها، رفع صورة أو غير ذلك، لكن رفع صورة لا يجب أن يخرجنا من توازننا كما حدث بعد مظاهرة سخنين، هناك صور أخرى رفعت في سخنين، قد لا تروق لآخرين، هناك صور دائما مرفوعة، ليس الأمر إذا كان هذا الفعل هامشيا أو غير هامشي، هذه مسالة لا تهم، لان الحديث بهذه اللغة هو حديث ضعف، دفاع عن النفس غير مبرر، مع علمنا ما سيفعل الإعلام الإسرائيلي بعد ذلك، التضخيم والتهويل ونزع الشرعية لإقناع الإسرائيليين أن الحالة التي يتواجد بها العرب في الحقيقة ليست إلا نتاج "آثام" اقترفوها، على شاكلة الصور التي ارتفعت في سخنين.

كان بالإمكان التريث، ولم تكن هناك أية حاجة للدخول في مثل هذه الهستيريا غير المبررة والمفهومة، على شاكلة مقال نشر اليوم للدفاع عن النفس، لا حاجة لمثل هذا المقال، ضرره اكبر، لسبب بسيط للغاية، أن لهجة المقال والهجوم على الذين رفعوا الصور، والإفصاح عن مواقف سياسية غير متفق عليها، هذا كله أكد على صحة موقف الإعلام الإسرائيلي، الذي ادخل بعضنا في ضغط.

الصيغة الدفاعية للمقال تؤكد آن رافعي الصور كانوا يهددون بشكل جدي "وجود إسرائيل"، مقال ظهرت به إسرائيل وسياستها ضحية أفعال "متطرفين"، فيما أكد المقال الآخر الذي ظهر في نفس الصحيفة (يديعوت احرونوت اليوم الأربعاء)، أننا فعلا متطرفون، وان كل ما يحدث لنا هو نتيجة تطرفنا، وأننا على ذلك نستحق كل ما نحن به، كما يؤكد بشكل غير مباشر المقال الذي كتب باسم رئيس لجنة المتابعة السيد محمد زيدان أيضا، مقابله بالضبط.

لم تكن هناك أية حاجة لأي اعتذار من أي نوع، وإذا كان هناك ما يقال فيجب أن يقال بشكل مختلف، لم تكن هناك أية حاجة لتحميل الصور أكثر مما تحتمل، وكان من الخطأ أن نتيح للإعلام الإسرائيلي أن يجرنا للمكان الذي يريد هو، مع التأكيد انه لا يجب أن نتيح له أية فرصة من أي نوع، لأننا ملتزمون أولا تجاه أنفسنا وليس تجاه صحفي إسرائيلي يعمل في حرس الحدود.

آن الأوان أن نتصرف على أساس أننا مسئولون عن انفسنا، ولسنا "فئران تجارب" كما سيقول عنا غيرنا، أما السؤال لمصلحة من ترفع الصور فهو نفس السؤال المطروح منذ النكبة من قبل البعض؟

لمصلحة من نقاوم؟ لمصلحة من نقول أننا فلسطينيون؟ لمصلحة من نستشهد؟ لمصلحة من ندافع عن الأقصى(الم يتهمنا الإعلام الإسرائيلي بالتطرف والإعلان عن حرب دينية؟؟)، لمصلحة من لا نسمح لأنصار حزب مبام من الكيبوتسات بإلقاء كلمة في يوم الأرض حول مصادرة الأراضي؟ الأسئلة كثيرة، ولا يجب أن نجيب عليها كلها، لان هناك من يفكر أولا بغيرنا وبما سيقول عنا، قبل أن يفكر بنفسه، إذا كان لدينا ما نقول عن أنفسنا فلن نخجل، ليس لان غيرنا س"يزعل" ويتركنا، هذه مسالة لا تهمنا.
وما الخطأ أن تعتبر صور السيد حسن نصر الله والشهيد عماد مغنية مثل صور تشي جيفارا ، أليس ثلاثتهم مقاتلي حرية مثلا؟؟

0 التعليقات:

إرسال تعليق