تحت عين الرقيب

وَمَنْ يَتهَيّبُ صُعودَ الجِبالِ ..... يَعِشْ أبَدَ الدهْرِ بَيْنَ الحُفَرِ

الشيخ رائد صلاح - رئيس الحركة الاسلامية



هو مجتمعنا الذي وُلدنا فيه وتربّينا فيه وننتمي إليه حتى بات الواحد فينا جزءاً لا يتجزأ منه، هو الذي يجب أن نحافظ عليه قاربَ نجاة لنا ولكل أبناء مجتمعنا صغاراً وكباراً ورجالاً ونساء دون استثناء، ولا يمكن لهذا المجتمع أن يظل قاربَ نجاة لنا جميعاً إلا إذا حافظنا على علاقة التواصل والتراحم والتكاتف والاحترام المتبادل بين مكونات نسيج هذا المجتمع، التي قد تضم التعددية العائلية أو التعددية الحزبية أو التعددية الدينية، بعيداً عن العصبية العائلية والاحتراب الحزبي والفتنة الطائفية.
ولا يمكن لهذا المجتمع أن يظل قارب نجاة لنا جميعاً إلا إذا حافظنا على علاقة متبادلة بين جميع أبنائه تقوم على الرحمة بالصغار وتوقير الكبار، وإفشاء السلام والتراحم، والتعاون على البر والتقوى، ونبذ التخاصم والتحاسد والتحاقد، ثم تربية الأبناء ورعاية البيوت وحفظ الجوار وصيانة الأمن الاجتماعي وتغذية المسيرة التعليمية والإعلامية والرياضية والثقافية والأدبية على أساس من هذه القيم التي تتفق مع الدين القيّم والعقل السوي والعرف الحسن.
ولا يمكن لهذا المجتمع أن يظل قاربَ نجاة لنا جميعاً إلا إذا حافظ جميعنا على سلامة هذا القارب، وإلا يكفي لواحد من مجتمعنا أن يخرق خرقاً في هذا القارب حتى يهدده بالغرق، وبذلك يهدد حياة أبناء كل هذا المجتمع.وطمعاً مني بترسيخ هذه الأصول في مسيرة مجتمعنا كي يبقى قاربَ نجاةٍ لنا جميعاً فإنني أرى من الواجب أن أذكر ما يلي:
1. عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول: "ما أطيبك وأطيب ريحك، ما أعظمك وأعظم حرمتك، والذي نفس محمد بيده، لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منكِ، ماله ودمه وإن نظن به إلا خيرا". إن الذي يتدبر هذا الحديث الشريف يدرك إدراكاً لا ريب فيه أن حرمة المؤمن أعظم عند الله تعالى من حرمة الكعبة، وهذا يعني أنَّ كلَّ المؤمن على المؤمن حرامٌ؛ دمه وماله وعرضه، وهذا يعني أن إلحاق أي أذى بالمؤمن بدمه أو بماله أو بعرضه هو أعظم عند الله تعالى من إلحاق أي أذى بالكعبة، وهذا يعني أن انتزاع حجر من الكعبة ظلماً وعدواناً هو فعل بشع قبيح أسود، ولكن الأبشع منه والأقبح منه والأشد سواداً منه عند الله تعالى هو الاعتداء على المؤمن ظلماً وعدواناً؛ فكيف إذا سوّلت لإنسان نفسه فامتدت يده أو أشهر سلاحه وقام بقتل مؤمن وأزهق روحه وأراق دمه ظلماً وعدواناً؟ إنه بذلك قام بفعل هو أقبح عند الله تعالى من هدم الكعبة حجراً حجرا.
2. ولأن حرمة المؤمن أعظم عند الله تعالى من حرمة الكعبة فقد توعد الله تعالى من قتل مؤمنا بالعذاب العظيم، وفي ذلك يقول الله تعالى: (ومن يقتل مؤمناً متعمدا فجزاؤه جهنمُ خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدّ له عذاباً عظيما) (النساء:93)، فيا لتعاسة هذا القاتل الذي سيعيش سائر حياته في الدنيا وقد غضب الله تعالى عليه ولعنه، أي طرده من رحمته، وأعد له عذاباً عظيما! ويا لسوء مصير هذا القاتل يوم القيامة وقد بُعث من قبره مغضوباً عليه ملعوناً مدفوعاً به إلى جهنم التي ما أن يُلقى فيها حتى يسمع لها تغيظاً وزفيرا! فأي ربح جنى هذا القاتل وأي فائدة حصد، وأي هدف أحرز؟ وهل حصد إلا الخسران المبين في الدنيا والآخرة؟
3. ولأن حرمة المؤمن أعظم عند الله تعالى من حرمة الكعبة فقد بين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن زوال الدنيا أهون عند الله تعالى من قتل رجل مسلم، بمعنى أن من قتل رجلاً مسلماً فكأنما أزال الدنيا بمن فيها من بشر، وكأنه لما قتل هذه النفس المسلمة فقد قتل نفوس كل البشر في كل الدنيا. فيا لتعس وهوان وذلّ وخزي هذا القاتل! كيف له أن يقف بين يدي الله تعالى وقد قام بفعله القبيح الذي جعل منه كأنه قد أزهق أرواح الخلق جميعاً؟ وفي ذلك روى عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم".
4. ولأن حرمة المؤمن أعظم عند الله تعالى من حرمة الكعبة فقد ورد في رواية أخرى لهذا الحديث زيادة تـَذهَلُ لها كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى؛ فعن البراء بن عازب رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق ولو أن أهل سماواته وأهل أرضه اشتركوا في دم مؤمن، لأدخلهم الله النار". والمعنى الذي يزلزل الأبدان واضح لكل عاقل؛ لو أن أهل السموات وأهل الأرض بإنسهم وجنـّهم اشتركوا بملياراتهم في دم مؤمن للعنهم الله تعالى جميعاً، ولغضب الله تعالى عليهم جميعاً، ولعذبهم وأدخلهم النار وبئس المصير.
5. ولأن حرمة المؤمن أعظم عند الله تعالى من حرمة الكعبة فقد صَوّر لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مشهد القاتل يوم القيامة في أحط وأحقر وأتعس مشهد؛ فعن أبن عباس رضي الله عنهما: أنه سأله سائل فقال: يا أبا العباس، هل للقاتل من توبة؟ فقال ابن عباس رضي الله عنهما -كالمتعجب من شأنه: ماذا تقول؟! فأعاد عليه مسألته، فقال: ماذا تقول؟! مرتين أو ثلاثاً، قال ابن عباس رضي الله عنهما: سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول: "يأتي المقتول، معلـّقاً رأسه بإحدى يديه، ملبباً قاتله باليد الأخرى، تشخب أوداجه دماً، حتى يأتي به العرش، فيقول المقتول لرب العالمين: هذا قتلني، فيقول الله عز وجل للقاتل: تعست!! ويذهب به إلى النار"، فيا كلَّ أهل الأرض، ويا أهلنا خاصة: ما لكم وللظلم؟ وما لكم وللفساد؟ وما لكم وللفتن؟ وما لكم وللشر؟ وما لكم وللخصام والفجور؟ وما لكم وللشقاق والنزاع؟ وما لكم وللحقد والحسد والكراهية والبغضاء؟ وما لكم وللسباب والشتيمة إذا كانت تهدي أهلها إلى يومٍ يُبْعثون فيه مخزيين ملعونين مهانين، يُجَرّ بهم من نواصيهم على مرأى كل الخلائق إلى نار تلظى، نار الدنيا لا تساوي منها إلا جزءًا من سبعين جزءًا؟ فإذا كانت الشمس بلهيبها وحرِّها وقيظها وغيظها تساوي جزءًا من سبعين جزءًا من نار جهنم، فكيف بنار جهنم؟ وليتصور هذا القاتل الخاسر أنه قد ألقي به في الشمس حتى غرق فيها، كيف سيكون حاله؟! ثم كيف سيكون حاله إذا ألقي به في نار تساوي سبعين شمساً بحرِّها ولهَبها واشتعالها ورائحتها وغازاتها؟! يا لكل قاتلٍ ظلماً وعدواناً ما أقل عقله وما أرخص نفسه وما أردى عاقبته وما أقسى عقوبته وما أشد هوانه على الله تعالى!
6. ولأن حرمة المؤمن أعظم عند الله تعالى من حرمة الكعبة فإنّ إراقة قطرة دم من مسلم بغير حق كأنها إراقة لكل دمه، وهذا يعني أن إراقة قطرة دم من مسلم بغير حق كفيله لوحدها أن تدفع فاعلها عن باب الجنة مطروداً مدحوراً خائفاً جائعاً عطشاناً. وفي ذلك يُروى عن عبد الملك بن مروان أنه قال: كنت أجالس بُريرة بالمدينة، قبل أن ألِيَ هذا الأمر، فكانت تقول: يا عبد الملك إني لأرى فيكَ خصالاً، وخليق أن تلي أمر هذه الأمة، فإن وُليته، فاحذر الدماء، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الرجل ليُدفع عن باب الجنة أن ينظر إليها على محجمة من دم يريقه من مسلم بغير حق". فهلا أدرك كل جبار عنيد منا ثقل تبعات هذا الحديث الشريف!! إنّ إراقة قطرة دم مسلم بغير حق تمنع منه ليس دخول الجنة فقط، بل تمنع منه النظر، مجرد النظر إلى الجنة!! فإلى ماذا سينظر هذا الخاسر الهالك المطارد؟! إلى ماذا سينظر إذا حُرِّم عليه النظر إلى الجنة؟! سينظر إلى جهنم وهي تتميز من الغيظ، وسينظر إلى الزقوم التي طلعها كأنه رؤوس الشياطين، وسينظر إلى أهل النار وهم يلعن بعضهم بعضا، ويدوس بعضهم بعضا، ويتدافعون على جمر أسوَدَ ملتهبٍ تغلي منه أدمغتهم، وتنتفخ منه بطونهم، ويصرخون ألماً، ويتضاغون عذاباً، ويطول صراخهم، والجواب لهم واحد لا يتغير: (اخسؤوا فيها ولا تكلمون).
7. ولأن حرمة المؤمن أعظم عند الله تعالى من حرمة الكعبة فقد أعد الله تعالى مفاجأة لقاتل كل نفس بغير حق، ويا لها من مفاجأة، ما أشد هولها على هذا القاتل المَهين! إنها كما روي عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يخرج عنق من النار يتكلم، فيقول: (( وُكـّلتُ اليوم بثلاثة، بكل جبار عنيد، ومن جعل مع الله آلها آخر، ومن قتل نفساً بغير حق فيطوى عليهم، فيقذفهم في حمراء جهنم))". يا للمهانة والمذلة والخسران! إذ يكفي هواناً وذلاً وخسارة لقاتل النفس بغير حق أن يبعثه الله تعالى مع كل مشرك جعل مع الله إلها آخر، ومع كل جبار عنيد عاش وهو يقول: أنا أحيي وأميت ثم مات وهو أهون عند الله تعالى من جناح بعوضة أو شعرة فأرة أو ناب خنزير!! ويكفي عذاباً وتباباً ويباباً لقاتل النفس بغير حق أن يؤز به إلى النار أزا وملائكة العذاب تضربه من ضمن من تضربهم على أدبارهم فيجد عنقاً من النار؛ لا يعلم طولها إلا الله تعالى ولا يعلم حجمها إلا الله تعالى، وقد تكون بضخامة الجبال الشواهق أو أشدَّ، فتنطوي عليه وهي من نار ثم تقذفه غير مأسوف عليه ليس في جهنم، بل في موقع خاص من جهنم، في حمراء جهنم، أي في نار نار جهنم، وفي حر حر جهنم، وفي زفير زفير جهنم، وفي غيظ غيظ جهنم.
8. ولأن حرمة المؤمن أعظم عند الله تعالى من حرمة الكعبة فقد اعتبر رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل أي نفس بغير حق من السبع الموبقات أي من السبع المهلكات؛ وفي ذلك رُوي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اجتنبوا السبع الموبقات"، قيل يا رسول الله: وما هُنّ؟ قال: "الشرك بالله، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، والسحر وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يومَ الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات". فأي مهانة أبشع من أن يجتمع قاتل النفس بغير حق مع المشركين والسحرة وأكله الربا وأكله مال اليتيم والفارّين من الجهاد وقاذفي المحصنات الغافلات المؤمنات بالإشاعات الباطلة والتهم الكاذبة؟ فهذه النوعية التي هي أحط خلق الله تعالى هم الأهل الذين سيُحشر معهم قاتل النفس بغير حق يوم القيامة، وسيعذب معهم في محيط عذاب أهل السبع الموبقات في نار جهنم وبئس المصير.
9. ولأن حرمة المؤمن أعظم عند الله تعالى من حرمة الكعبة فقد بَيّن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن غاية ما يتمناه إبليس هو أن يقتل مسلم مسلماً بغير حق؛ وفي ذلك روي عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا أصبح إبليس بَثّ جنوده فيقول: من أضل اليوم مسلماً ألبسته التاج"، قال: "فيجيء هذا فيقول: لم أزل به حتى طَلـّق امرأته، فيقول: يوشك أن يتزوج. ويجيء هذا فيقول: لم أزل به حتى عَقّ والديه، فيقول: يوشك أن يبرهما، ويجيء هذا فيقول: لم أزل به حتى أشرك، فيقول: أنت، أنت، ويجيء هذا فيقول: لم أزل به حتى قتل، فيقول: أنت، أنت، ويلبسه التاج". وهكذا يصبح قاتل نفس بغير حق "خير" الفاسدين في حسابات إبليس!! وهكذا يلبسه إبليس دون غيره من المفسدين تاج الفساد في الأرض، ويكفي بذلك عارا لا يُمحى لقاتل نفس بغير حق أن يتحول إلى جندي إبليس وليس عبداً لله تعالى، وأن يكون المقرَّبَ من إبليس المطرود من رحمة الله تعالى، وأن يكون المرضيَّ عليه عند إبليس، المغضوبَ عليه عند الله تعالى، القريب من النار والبعيد من الجنة. فهل بعد هذا الخزي من خزي؟ وهل بعد هذا العار من عار؟ وهل بعد هذا الذل من ذلّ؟
10. ولأن حرمة المؤمن أعظم عند الله تعالى من حرمة الكعبة فقد بَيّنَ لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قاتل نفس بغير حق هو واحد من أبغض ثلاثة إلى الله تعالى؛ وفي ذلك رُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أبغض الناس إلى الله ثلاثة: ملحد في الحرم، ومبتغٍ في الإسلام سنة الجاهلية، ومُطـّلبٌ دمَ امرئ بغير حق ليريق دمه". ويا لثقل تبعات هذا الحديث الشريف! لقد وجب على كل مسلم أن يرتعد لها لحمه وعظمه خوفاً من الله تعالى وهولاً من سوء مصير من يرتكبها، وهذا يعني أن قاتل نفس بغير حق يُحشر يوم القيامة مع أمثاله، مع ملحد في الكعبة المشرفة ورحابها، ومبتدع أو مرتد ضالّ ومضلّ هَمّـُه التمسك بسنن الجاهلية ومخالفة القرآن والسنة النبوية. ولنتصور سواد وجوه هؤلاء في الدنيا والآخرة وسوء مصيرهم ونتن ريحهم، معهم -وكجزء منهم- يُحشر قاتلُ نفس بغير حق. وحول هذا الحديث الشريف يقول شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى: ((أخبر صلى الله عليه وسلم أن أبغض الناس إلى الله هؤلاء الثلاثة، وذلك لأن الفساد إما في الدين وإما في الدنيا، فأعظم فساد الدنيا قتل النفوس بغير حق، ولهذا كان أكبر الكبائر بعد أعظم فساد الدين الذي هو الكفر)).
11. ولأن حرمة المؤمن أعظم عند الله من حرمة الكعبة فقد حَذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من القيام بقتل نفس بغير حق، بادعاء الأخذ بالثأر، وفي ذلك رُوي عن عائشة رضي الله عنها قالت: وُجد في قائم سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابان: ((إن أشد الناس عتوّا رجل ضرب غير ضاربه، ورجل قتل غير قاتله، ورجل تولى غير أهل نعمته، فمن فعل ذلك، فقد كفر بالله ورسوله، ولا يقبل منه صرف ولا عدل))، ومعنى هذا الحديث الشريف أوضح من الواضح.فإن من (قتل غير قاتله) كما يقول لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أي قتل نفسا بغير حق بإدعاء الأخذ بالثأر إلى حد قتل قريب القاتل، فقط لأنه قريب القاتل، إنّ من ارتكب ذلك فإنه من أشد الناس عتوا وقد ((كفر بالله ورسوله)) كما يقول لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم . ثم ماذا؟! ((لا يقبل منه صرف ولا عدل))، كما يقول لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
12. ولأن حرمة المؤمن أعظم عند الله تعالى من حرمة الكعبة فما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجامل أي قاتل نفس بغير حق كائنا من كان؛ وفي ذلك رُوي عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحُرَقة من جهينة، فصبّحنا القوم –أي الكفار– فهزمناهم، ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلاً منهم، فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله، فكفًّ عنه الأنصاري وطعنته برمحي حتى قتلته. قال: فلما قدمنا، بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي: "يا أسامة أقتلته بعدما قال: لا إله إلا الله" قال: قلت يا رسول الله: إنما كان متعوّذاً. قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أقتلتـَه بعدما قال لا إله إلا الله؟!"، قال: فما زال يكررها عليّ حتى تمنـّيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم!!ويؤكد معنى هذا الحديث ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما عن رجلٍ قاتِلٍ يُدعى مُحَلـّم بن جَثـّامة جيء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستغفر له، يقول ابن عمر رضي الله عنهما عن هذا القاتل: ((..فجلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستغفر له، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "لا غفر الله لك"، فقام وهو يتلقى دموعه ببرديه، فما مضت له سابعة حتى مات ودفنوه، فلفظته الأرض، فجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له، فقال: "إن الأرض تقبل من هو شر من صاحبكم، ولكن الله أراد أن يعظكم"، ثم طرحوه بين صدفي جبل وألقوا عليه من الحجارة، ونزلت: (يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا).

0 التعليقات:

إرسال تعليق