تحت عين الرقيب

وَمَنْ يَتهَيّبُ صُعودَ الجِبالِ ..... يَعِشْ أبَدَ الدهْرِ بَيْنَ الحُفَرِ

موجة خطيرة من أعمال العنف تجتاح المجتمع العربي في الداخل الفلسطيني ، فعمليات القتل والاجرام آخذة بالازدياد يوما بعد يوم ، لغة الحوار السائدة هي لغة السلاح ، الرصاص بالذات ، أمر مقلق ، انتهكت الأعراض ، لا يشعر المرء بالأمان داخل جدار بيته ، الجريمة أضحت اعتيادية ونمر عن الحدث بشكل عابر ، يُغلق ملف التحقيق والغموض يكتنف الأمر ، القاتل مجهول ، أجواء مشحونة ، فوضى عارمة ولا أحد يتحرك ساكنا حيال ذلك ، مُسلسل الدماء بل شلال الدماء مستمر ، إرهاب داخلي ، يقف الجار جانبا حين تصيب الرصاصة جاره، لكنه نسي أن الرصاصة لربما تصل بيته غدا ، فيقلق حين يرى جاره بنظر اليه بلا حراك ، فالصمت وعدم التحرك هو اشتراك في الجريمة.
الرصاصة اخترقت جسد المغدور ، مزّقت أحشاءه ، توفي متأثراً بجراحه الخطيرة ، ترك وراءه زوجة ثاكل وأيتاما صغار ، يؤدي الأمر ربما لخراب الأسره أو هدمها ويُهدد النسيج الإجتماعي، خاصة إن لم تتكاتف العائلة وتعتني بعائلة المغدور وزوجته ، هم بحاجة لوجود ذكري جانبهم يسير معهم خطوة بخطوة حتى يكبروا ويعتمدوا على أنفسهم ، أن يكونوا نمذجا لهم ، أن يعينوا الأم على ذلك وإلا انحرف الابناء وارتادوا الشوارع وأخلاقها المنحطة ليتغذوا منها ، وسلكوا درب الجريمة والهلاك ، درب الانهيار الأخلاقي ، ليكونوا عبء على المجتمع بدل أن يكونوا رمزا ونبراسا يقدموا للمجتمع ويسيروا نحو التميز ورفع مستوى الوسط العربي متألقا خـُلـُقا فيرتقي حضارة إذ نسيها الناس ، فما انتصارنا واستفاقتنا إلا بالعودة لدين الله ، دين الحق ، الهوان وما وصلنا اليه من حال ليس إلا بابتعاد الناس عن الدين وإتباع الدنيا الفانية والهوى ، وتنافس على أمور لا تُسمن ولا تغني من جوع نحن بغنى عنها وعن عواقبها الخطيرة المؤلمة.

النزاع بين البشر مهما كبر فلا يستحق دفع هذا الثمن الباهظ ، لا يستحق قتل النفس التي حرم الله، فكيف لشخص أن يتطاول ويُطلق النار ويفر هاربا جبانا ، كالنعامة يقتل ثم يَدفن رأسه بالتراب، تزداد وقاحته ويُشرعن لنفسه استخدام السلاح في مرات لاحقة وقتل المزيد من البشر ، يسهل عليه اشهار السلام والقتل بشكل اعتيادي كأن شيء لم يكن ، بل يُشارك في تشييع جنازة المغدور ويجس نبض أهله والأقارب ليستمع من منهم يتوعد القاتل ، فتتشكل لديه خريطة واضحة للأهل ومتى تكون ردة فعلهم ، متى وكيف ، وأحيانا يدخل وسط العائلة ويقول أنه معهم في كل خطوة يتخذونها ويثيرهم ليأخذوا بالثأر ، فيدمر قد استطاعته من هذه العائلة ، فتدخل أحيانا العصابات وعائلات الإجرام في الصورة لتدمر النسيج والرقعة الاجتماعية والاخوة بين أبناء البيت الواحد والبلد الواحد ، وتهدم بيوتا وعائلات عاشت بهدوء وسكينة فرحة.

أما ان عرف القاتل فهذه مأساة أخرى ، خاصة ان عدنا للنتنة ، إن عدنا للعادات الجاهلية كالعائلية والأخذ بالثأر واعلان الحرب على العائلة الاخرى وان كانوا اخوة او جيران منذ عشرات السنين ، فالدم يرد بالدم وفق قولهم ، والقاتل لا بد أن يقتل، فتسارع عائلة القاتل باصدار منشور تتبرى به من القاتل ، وان عائلة المغدور تأخذ حقها من القاتل وحده وليس من أهل بيته ، فيُمتص قليل من غضب الشباب خاصة ان وجدت حكمة الشيوخ في البيت ، شيوخ يُسمع لقولهم وشورهم. والأفضل وفق نظري أن لا يقتولوا القاتل فيسأخذ جزاءه عند رب العباد العادل الديان ، فهو يعلم غيب السموات والارض وهو بكل شيء عليم ، وان القانون البشري على وجه الأرض سيقاضيه هنا ، وفق قانون الدولة ، فمن الدول من تحكم عليه بالإعدام وأخرى بالسجن المؤبد الى أن تفارق روحه جسده ، ويكون حينها قد هدم بيتين ، بيت المقتول المغدور واولاده الصغار ، وهدم القاتل بيته ان تزوج أو بيت والديه ان كان أعزب ويسبب لهم المشاكل والنبذ الإجتماعي ، عدم تزويجهم أو التزوج منهم كأبسط مثال ، فهم عائلة لها "سوابق" ويبحث المرء حين يود الزواج عن "راحة البال".

يدخل هنا دور لجان الإصلاح ، فهي تجتمع مع عائلة القاتل لتهدئ من روعهم وتشاطرهم حزنهم وألمهم وتحفف عليهم مصابهم ، ولتقلل من عواقب حادث القتل ، ففي اللجنة رجال خير لهم خبرتهم في الحياة وبامكانهم التأثير من موقعهم الموقر في المجتمع على العامة ، فيمتثلوا للاتفاق مع اللجنة ،ويبرموا عقدا ولو كان كلاميا بعدم اتخاذ خطوات للثأر أو ما الى ذلك ، والاتفاق على جاهة صلح بعد حين حين تهدأ الاجواء وتترطب بعض الشيء ، وتطمئن النفوس المؤتمنين عليها والتي لا يصح لنا أن نؤذيها فكيف لنا أن نؤذي غيرها ، بدل ان نصلحها ونسعى في اصلاح غيرها والحصول على الديّة التي يدفعها أهل القاتل ، وان كان حال عائلة القاتل صعب اقتصاديا فتساعدهم اللجنة بتمويل وتحصيل المبلغ من الناس الذي يسعون لرأب الصدع بين ابناء البلد الواحد ، أبناء ملتنا.

لذلك ، يجب أن تتخذ خطوات أولية للتقليل من ظاهرة السلاح واستعماله بصورة غير مقبولة ، طريقة يحرم استعماله فيها ، غير اخلاقية ، نحن في أمس الحاجة للابتعاد عنها ، ليعود الأمن والسلام وروح الاخوة والمحبة ، لنكون عائلة واحدة همومنا واحدة ، يساعد المرء اخيه المسلم ويكون عونا له ، لا ان يكون عونا عليه يؤذيه ، فان هذا الذي يدمر الشعوب ، الاقتتال الداخلي الذاي، وهو خطير جدا ، بقدر ما يواجه الامة من خطر وما يحاك ضدها من خطط لتدميرها والقضاء عليها ، ولنواجه هذه الخطط فيجب أن نوجه قوانا المتحدة ، موحدة تجاه هذه القضية ، كي نبقى في أرضنا ، كي نبقى أخوة وجيران وأحبة ، لنستمر ونزع الزيتون في أرضنا ونجني من ثمارها ، فالارض كنز وعرض لا تبدل ولو بالاف الدونمات على القمر ، لنواجه ذلك معا يد واحدة حديدية ، لا أن نكون متفرقين كل يغني على هواه فيسهل كسرنا . السلاح ليس حلا لمشاكلنا التي يمكن حلها بطرق سلمية وببساطة بلا تعد على حقوق الاخرين ، فنحن تميزنا عن باقي المخلوقات بالعقل ، والعقل اعطانا اياه خلقنا لنستعمله لا لنبقيه فارغا ، لنملأه بما يرضى الله ويحب الله ، فنتفكر ونفكر ، نحل مشاكلنا التي مهما كبرت كما أسلفت فلا تستحق أن يتقل المسلم المسلم ، فالمسلم اخ المسلم .
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه" متفق عليه. وزاد الترمذي والنسائي: "والمؤمن من أمِنَه الناس على دمائهم وأموالهم" وزاد البيهقي: "والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله".
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الظلم ظلمات يوم القيامة" متفق عليه.
قال الله تبارك وتعالى في سورة الحجرات : وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9)إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)

1 التعليقات:

"لذلك ، يجب أن تتخذ خطوات أولية للتقليل من ظاهرة السلام"

إرسال تعليق