تحت عين الرقيب

وَمَنْ يَتهَيّبُ صُعودَ الجِبالِ ..... يَعِشْ أبَدَ الدهْرِ بَيْنَ الحُفَرِ


العام الدراسي 99-1998 هو آخر عام لمدرسة ثانوية شاملة واحدة في مدينة باقة الغربية ، فقد قررت الجهات المعنية والمسئولة أن مصلحة أبناء باقة ومستقبلهم يكمن في تفقيس بيضة الثانوية لتخرج وترى النور ثانوية للعلوم والتكنولوجيا وأخرى للاداب والتكنولوجيا ، فقسمت تخصصات المدرسة الشاملة وكل مدرسة تبنت ما يلائم اسمها من تخصصات . كان المفروض أن تؤتي هذه الخطوة أكلها بمنافسة شديدة بين المدرستين كل في مجاله ، فالثانوية للعلوم والتكنولوجيا تهيء الطلاب للدراسة في الجامعات مواضيع علمية ، والأخرى مواضيع أدبية ويُمنح من لا يود إكمال دراسته الأكاديمية، صنعة تعينه في حياته ، هذا ما تصوره منفذي المشروع، إلا أن أحلامهم حُشرت بين الموج حين التطم وارتطم بصخرة الشاطئ ، صخرة الواقع.

رأى البعض أن هذه الخطوة هي بداية البداية لمستقبل زاهر وردي لأبناء باقة ، فأثبت الواقع ذلك حين تضاعف عدد الطلاب الأكاديميين من باقة ودراستهم أرقى المواضيع في جامعات وكليات البلاد والخارج ، معدلات البجروت نافست على مستوى الدولة في الوسطين العربي واليهودي ، فخر واعتزاز لأبناء باقة وأهل باقة ، والفضل أولا لله ومن ثم للطاقم الذي يبث الحماس وروح المنافسة بين الطلاب بكل تفان وجدية ، وحصدوا نتائج ما زرعوا ، وهذه هي المدرسة الثانوية للعلوم والتكنولوجيا.

القسم الثاني من أهالي بلدنا الحبيبة يرون بفصل الثانوية نقمة على أبنائنا ، بداية البداية للنهاية أو بداية النهاية ، وصدقوا أيضا في قولهم ، فالمدرسة الثانوية للاداب والتكنولوجيا لا تقدم لابنائنا أدنى متطلبات التعليم ، مُهملة من قِبل البلدية ، والطاقم فيها يائس من المحاولة ، الطلاب قبلوا لأنفسهم الانطباع الموجود لدى الناس بأن الاداب والتكنولوجيا للطلاب الاقل تحصيلا الذين لا مستقبل لهم حين لم يُقبلوا للدراسة في الثانوية للعلوم والتكنولوجيا بعدم نجاحهم مرور امتحان القبول ، مما يطبع على جبينهم أنهم ليسوا بحاجة للدراسة بعد الان ليبحثوا عن عمل يحصلون منه على المال خير من الدراسة و" تضييع الوقت" ، والاطار الموجود لا يجبرهم على الدراسة ، فالتسرب والاهمال بل الانحراف مصير الطلاب حينها ، والمسؤولين يقفون جانبا يشاهدون ما تخسر باقة من زهور كل عام ولا يُحرّكوا ساكنا كأن العزاء للجيران ونحن نجلس في البيت كي لا نـُحرج ، لكن لن نستقبل الناس ولن نقدم القهوة والتمر ، والمسؤولين بصَمْتِهِم دفنوا القضية وقالوا هذا حال المدرسة ما لها من قرار أو صرف ليخمدوا ما تبقى من جمر مشتعل بهدوء أسفل الرماد ، وحاولوا خصخصة المدرسة ، حاولوا بيعها ليُنزلوا الحِمل الثقيل والمسئولية عن كتفهم وليلقوا بأبناء باقة الى التهلكة بدلا من مواجهة القضية وحلها ولو أخذ مشروع " الفطام" واعادة الاطار في الاداب والتكنولوجيا لمقبول على الأقل ولا أقول ممتازا ، فكيف لمن قرر دراسة الميكانيكا نموذجا أو كهرباء السيارات أن يتعلم ما يجب فعله على أرض الواقع بلا تطبيق فعلي ؟ فهو هرب من الكتب والدفاتر والتنظير ، يريد فعلا وتطبيقا ليساعده ذلك بالعمل بعد مرحلة الثانوية ، كيف سيطبق إن قامت الجهات المسؤولة ببيع الماكنات التي كان يتم استعمالها في التطبيق ؟!

الجمر المشتعل تحت الرماد بدأ يخفت لا سيما وأنهم حاولوا إشراك الأهل بتقرير مصير أبنائهم ، فنرى في اجتماع آباء مصيري ، لا يحضره أكثر من 15 أب ! مما يدعم قرارات البلدية ويبلبل أبنائنا ويهدد مستقبل ما تبقى منهم ، إن كنتم أيها المسؤولين غير قادرين على حمل الأمانة وضمان أو اصلاح مستقبل أبنائنا فتنحوا جانبا واتركوا الساحة لأهل الهمم والاختصاص لينقذوا ما يمكن انقاذه من الأجيال القادمة.

عدد لا بأس به تقدم لامتحان القبول للمدرسة الثانوية للعلوم والتكنولوجيا ولم يتمكنوا من اجتيازه ، رغم أن لديهم القدرة والامكانيات للنجاح والدراسة ، فيختاروا الدراسة في يمة و جت أو الثانوية للاداب والتكنولوجيا ، يظلمون أنفسهم حين يقرروا الدراسة في الثانوية للاداب والتكنولوجيا لأن المسئولين ظلموهو من قبل باجحاف حين لم يوفروا لهم الظروف في هذه المدرسة ، ان صح أصلا تسميتها مدرسة ، فهؤلاء الطلاب اختاروا أن يشقوا طريقهم عبر ثانوية الاداب لاكمال الداراسة الأكاديمية في الجامعات والكليات ، وهي طريق صعبة جدا ، تحتاج منهم دراسة ذاتية وجهد جهيد في ظل انعدام الاطار المُلائم ، مما ينعكس مباشرة على تحصيلهم ورؤيتهم المُستقبليّة ،وقد يهدم العزيمة ويَحُول دُون إكمال دراستهم ، فلأجل هؤلاء الطلاب يجب بالذات يجب أن يستفيق أصحاب القرار ويفكروا ليل نهار كيف يُوفّروا الجو الدراسي المناسب لهم وإعانتهم لإكمال مسيرتهم بكرامة وبشكل يليق بطالب يهُمّه مستقبله ، فسيُسألون عن ذلك .

هؤلاء الطلاب كان بامكامنهم الدرايسة في العلوم والتكنولوجيا الا أن ظروف معينة عند الامتحان منعت قبولهم ونجاحهم ، وهنا تظهر علامة استفهام كبيرة حول امتحان القبول ، والذي أراه شخصيا مناسبا ويجب أن تستمر سياسة المدرسة بتقديم الطلاب لامتحان قبول ، لكن علامة الاستفهام حول مستقبل من لم يتمكن من اجتياز الامتحان لعدم وجود البديل محليا.

أنهي بقولي أني أرى في فصل المدرسة الثانوية الشاملة نعمة في حال قامت البلدية والجهات المسئولة باصلاح حال المدرسة الأخرى ليعطى طلاب باقة الاليات والادوات والامكانيات ليبدعوا في أي مجال اختاروه، وذلك يصب مباشرة في مصلحة أبناء باقة ، يقل التسرب فيقل العنف والضياع وسلك طريق الهلاك خارج الاطار الوهمي الذي من المفروض أن يكون موجودا كاطار جامع لا مفرق هادم مدمر ، ولتبقى الثانوية للعلوم والتكنولوجيا مستمرة في مسيرة التقدم والنجاح والتفوق.

0 التعليقات:

إرسال تعليق