تحت عين الرقيب

وَمَنْ يَتهَيّبُ صُعودَ الجِبالِ ..... يَعِشْ أبَدَ الدهْرِ بَيْنَ الحُفَرِ


برنامج ثابت كل يوم ، الوالدين في موقع القوة والسيطرة ، يقرران له مجرى حياته كي يعتاد على نظام فيستغلها على احسن وجه لا ان يمضي اوقاته بالتكسع واللهو قاتل الانفس ، فان اندمج النظام في حياته رتبها ، ومن شب على شيء شاب عليه.


حين يرتب الصبي وقته فيجد متسعا للدراسة والترويح عن نفسه سواء في البيت مع اخوته او في الفناء مع الاقارب والجيران ، وان وفـّق بينهما ونجح في دراسته فيعطيه والده محفزا ايجابيا ليستمر مسلسل النجاح فيشتري له دراجة هوائية ،يفرح الصبي ويثابر في دراسته وينجح فيُعطى فُسحة اضافية للخروج واستعمال الدراجة بداية في ساحة البيت الضيقة ومن ثم تتسع رقعة لعبه لتصل خارج السور بمتر او اثنين حيث الشارع.


يفتقر وسطنا العربي لساحات وملاهي ، حدائق عامة وملاعب لشريحة الشباب والصبيان ، فيجعلون الشارع معركة لعبهم وسط اكتظاظ الاحياء السكنية وصغر المنطقة السكانية المأهولة.


الشارع معركة لعبهم ، يصارعون بعضهم البعض حين يتنافسون بشراسة وتحقيق الفوز والانتصار ، يتعاركون ان لن يتفقوا ، يصيح بهم الكبار وتطاردهم صفارات السيارات المسرعة في شوارع ضيقة تغلبت بها الحفر على الاسفلت فصرعته.


حين اشترى الوالد الحنون دراجة لولده رسم امامه المستقبل ، رأى ابنه يكبر امامه ويحصد النجاحات وهي بداية الطريق نحو بلوغ القمم الشاهقة وبناء حياة بنعم العيش فيها، يراه يركب الدراجة فرحا بها يضحك ، يركب الدراجة في شارع طويل دربه يوصله بعد سنين حيث يريده ان يكون ، حلمه هذا كزجاجة شفافة، صافية ونقية، قد تنتصب على الرف وقد تنكسر فتتحطم لقطع صغيرة تبعثرت في ارجاء المكان ، والدراجة لعلها تكون سبب تحطم القطعة الزجاجية واستفاقة الاب من حلم ورسمه مستقبل ولده.


استغليت وقتي وانا في باقة الغربية مدينتني لأزور اصدقائي قبل عودتي لمدينة القدس حيث ادرس وامكث اكثر ايامي ، أخذت مفاتيح السيارة وخرجت من بيتنا شمالا ، انعطفت يمينا عند دوار بئر بورين باتجاه الشرق ومسجد ابو بكر الصديق ، أقود على مهل بلا عجلة أتفقد احوال بلدي وأهلها واسرح في ايام مضت وخلت ، انتقل للحاضر وما اعيش ،أسافر لسنين قادمة وما أخطط لها كأني أعيش أبدا مدموجة بشعور أني أموت غدا او في هذه اللحظة ، للحظات عشت الماضي والطفولة حين التفت يساري ورأيت طفلا يركب دراجته كأنه يسابقني ويقول انا سعيد بدراجتي ، انا وهي اصدقاء منذ مدة نجوب أزقة المدينة وشوارعها المفتوحة معا منسجمين فرحين ونزاحم السيارات ، رايته فسرحت وتذكرت أني كنت متله لكن مع فارق اهمية الدراجة بالنسبة لي في الماضي وما احس تجاهها الان ، لاحظت ان الصبي يركب بإنبساط لكنه يخطر نفسه ، ببرهة وكلمح البصر يمكن أن ينقلب فرحه لالم وحسرة ، جروح ودم، اسعاف ومشفى ، علاج ودواء ، وفي حالات قاسية موت ودموع ، قبر ووالدين ثاكلين، خطـّر نفسه ان لا خوذة ولا واقٍ للمرفقين والركبتين له أو لديه ، لم يشترها والده له لانه لم يعلمها أو لم يسمع بها فهي نادرة الوجود في واقعه وربما نجدها في مسيرة دراجات منظمة للبدية أو المركز الجماهيري بالتعاون مع قسم الحذر على الطرق.


الأمن والأمان لا يأخذان بعين الاعتبار في أواسط الاهل ، لا لأن أولادهم لا يعنوهم إنما لان الامن والامن لا يأخذ بعين الاعتبار ولا ذكر له في الوسط العربي ، الجهات المسئولة تتكاسل ولا تقوم بواجبها ، لا تقوم بتوعية الصبيات والاهل من قبلهم ، لا ترشدهم لاستعمال ادوات الوقاية ، لا تنصحهم أو تذكر أهميتها، الجهات المسئولة لا تنفذ مشاريع بسيطة وبمبلغ زهيد تكون ملجأ ابنائنا بعيدا عن الشارع وصفارات السيارات ، لا توفر لهم أماكن لقضاء وقت الفراغ أو لبناء برنامج فيه الفائدة ، برنامج تربوي رياضي يقوي العقل والجسد بأمن ، امان وسلامة ، فمشروع بسيط كهذا أهم من تعبيد الشوارع ، لان الشارع سيبقى ويمكن تعبيده لاحقا ، اما ابنائنا إن فقدناهم في لحظة فلن نتمكن من اعادتهم.


في طريق عودتي رأيت صبيا آخر يركب دراجة وفوجئت بخوذة على رأسه ، ابتسمت ، فهو أبله بنظر زملائة وجبان ، لكن كان يطير من الفرح ويطير بدراجته ، قلت ها هو ذا صبي يود الحفاظ على نفسه ويعلم مخاطر الدراجة اذا لم تـُلزم وسائل الوقاية ، وبعد بضعة دقائق مرت مجموعة من الصبيان ولكل خوذة ولباس موحد يجمعهم ، حينها أدركت أن المسألة ليست اجتهاد ذاتي ، إنما هي الاوامر والشروط للمشاركة في مسيرة الدراجات السنوية والتي ينظمها المركز الجماهيري ، وكلي أمل أن تأثــّر هذه المسيرة وتغير قناعات الصبيان والاهل ، وأن أرى في المستقبل القريب صبي ، دراجة وخوذة معا ، لا ان ينسى الخوذة في حانوت بيعها.

0 التعليقات:

إرسال تعليق