تحت عين الرقيب

وَمَنْ يَتهَيّبُ صُعودَ الجِبالِ ..... يَعِشْ أبَدَ الدهْرِ بَيْنَ الحُفَرِ


ذهب حمزة مع والديه للمشاركة في عرس قريبهم ، يبلغ حمزة من العمر خمس سنوات ، حفظ سورا من القران ولعب مع اترابه ، تميز بالذكاء.


حين انتهى العرس ليلا امسكت امه بيده وخرجا من القاعة بقصد العودة للبيت في المدينة ذاتها ، كان حمزة نعسا يود النوم في تخته وليتغطى بشرشفه ، اراد ان ينام عميقا ، ونام طويلا ، نام واستفاق اهله حوله ، استفاق بعد خمس واربعين يوما من يوم العرس ، اذ غط في غيبوبة قاسية ، استفاق وهو ملقى على تخت ومغطى بشرشف ، لكنها ليست له، استفاق ليجد نفسه في مكان اخر ، ليس في بيته ، بادر ليسأل والديه اين هو ولماذا يبكيان ، لم يستطع ولم يتمكن من الحديث ، لم يعد قادرا على النطق حمزة.


خرج حمزة برفقة امه من العرس ، وصلوا الشارع ليعودوا بالسيارة ، ولكنه افلت ، افت من يد امه وركض صوب الشارع لتصدمه سيارة وتصبه اصابة بالغة في راسه وقميه ، تجمع الناس ووصلت سيارة الاسعاف ، نقلوه على عجلة للمشفى واستدعوا الطاقم الطبي لعلاجه ، جثة بلا حراك حمزة والدم من ارجاء جسده ينزف ، ظنوه مات ، ظنوا انهم سيودعوه ، وكانت ارادة الله فوق توقعاتهم ، عاش حمزة ، عاش بمساعدة الاجهزة ، اجزة للتنفس واخرى للاكل , بقي متعلقا بالاجهزة مدة خمسة واربعين يوما ثم استفاق واستفاق اهله من كابوسهم وبكوا فرحا، حمدوا الله وشكروه ان استيقظ ابنهم من سباته العميق واستفاق من غيبوبته.


عاتبوا امه كثيرا فترة سباته ، كانها سبب اصابته ، تنقلوا من البيت للمشفى بتناوب وورديات ، بقوا جنبه يتوسلون لله ان يعيد لهم ابنهم المشاكس الذكي ، قرأوا القران والاذكار وصلـّوا ، للحظة فقدوا الامل لطول المدة ، الغيبوبة العميقة ، كابوس اسود حالك عاشوا وانتظروا لحظة بخبرهم الطبيب وفاة ابنهم ، تعبوا وتلفت اعصابهم ، اجسادهم واعصابهم مشدودة من الهول على غير ارادة منهم ، لكن مقدرة الله وجبروته ، حكمه وعدله فوق ادراك البشر، فان طبيعة القدرة الالهية لا تقاس الى تصورات البشر وطاقتهم ، رحم الله ابنهم وشفاه ، بيده كل شيء ، لا شيء امام القدرة الالهية اعسر من شيء ، واداة الخلق واحدة في كل شيء " كن فيكون" .


فتح عينيه فقط ، لم يقدر على التكلم او الحراك ، سجل الطاقم الطبي نقطة انتصار له بانه هو من انقذ الطفل من الموت ، لم يكترث الاهل لحديثهم ووعوا الحلوى، استفاق حمزة ، ابتسم ونام مرّة اخرى لبضع ساعات ، شرح له اهله ما حدث واين يقبع الان ، فنزلت دمعة ساخنة على خده مسحتها امه وقبلته ، اراد ان يقول لها سامحيني، لكنه لا يستطيع .


تغلب جسده الصغير على الحال وخرج من العناية المكثفة حين استقر وضعه الصحي ، لينقل لمشفى اخر يُعنى باعادة التأهيل للاطفال ، يضم المشفى طاقم مختصين ، اطباء وممرضين، علاج نطق وسمع ، تمارين رياضية ، بركة سباحة، مدرسة ومُدرّسين، عامل اجتماعي واخصائي نفسي ، مشفى فيه امل وحلم كبير باعادة المرضى لسابق عهدهم قبل الاصابة ، يحاولون جاهدين ادخال التفاؤل لصدور الاهل والاطفال بان ذلك ممكن والامثلة كثيرة.


حصل الاهل على جرعة امل بعد ان رأوا اطفال كانت حالتهم اصعب حمزة وعادوا لحالهم، التقوا بعائلات المرضى فشرحوا لهم عن عمل الطاقم ودعمه ، عن الراحة في المعاملة والاتفات لطلبات الاهل والمرضى ، عن رحلة علاج ابنائهم.


حرك حمزة اعضاء من جسده ، قام بالتدرب والعلاج على الارض وفي البركة ، استطاع ان يحرك بديه وقدميه لكن لا ان يقف ، لم يتمكن من الوقوف ، قوّى عضلات جسده وعادت له ذاكرته بالكامل ، طفل ذكي حمزة ، تذكر ايام المدرسة ، بل لا زال يحفظ سورا من القران الكريم تنير قلبه ودربه ، تقـَدّم خطوة فخطوة ، بدأ ينطق بعض الكلمات بصعوبة ، شد عضلاته وحرك قدمية وتمكن من ان يقود دراجة خاصة تدرب عضلات القدم ، بقي مدة على الدراجة وسعد بركوبها ، تحسن نطقه واصبح يركّب ويكوّن جملا شبه كاملة ، ر افقه اهلة بكل خطوة ، عرفوا وايقنوا اكثر من اي وقت بعظمة الله وانه رحيم بعباده والقادر على كل شيء ، عالجته المختصة بالسمع والنطق ، دخل الصف مع اطفال كمثله اصيبوا جسديا وعقليا ، له مدرّسة خاصة في اوقات اخرى ومرشدة حاسوب .


في صباح احد الايام قرر والده ان يقف حمزة ، رفض الطاقم ذلك ، صمم والده واخذ المسئولية عن اي مكروه يحدث ، صدم الجميع ، وقف حمزة ، وقف حمزة وبدأ يمشي ، فرجت اسارير والده ، وقال انه بجرأته اعاد ولده له ، انقذ ولده ، يمشي حمزة بمساعدة جهاز المشي ويركض حمزة ، وبعد التأهيل اصبح يحرك يديه ويمكنه ان ياكل لوحده بعد ان اكل عبر الجهاز ومن ثم بمساعدة اهله ، تحسن نطقه كثيرا ، اعاد قدرة التفكير وحسّنها ، قد عاد حمزة ليمشي كما كان ذات مرة ، عاد بعد ثلاثة اشهر تقريبا من العذاب والعلاج ، ابتسم والده ابتسامة عريضة وصدره مشروح ، صرخ قائلا عاد لي ابني ، عاد حمزة ليمشي ، عاد حمزة المشاكس الذكي ، عاد حمزة ليمشي ، لن يقطع الشارع الا معي ، عاد لي ولدي.


ويستمر حمزة الان بتلقي العلاج ، فانه ما زال يمشي بمساعدة الجهاز، ومشيه ليس كما كان بالضبط فهو بحاجة لتدريب اكثر واكثر ، بحاجة للاستمرار بعلاج النطق والسمع ، كي يعود تقريبا كما كان .

0 التعليقات:

إرسال تعليق