تحت عين الرقيب

وَمَنْ يَتهَيّبُ صُعودَ الجِبالِ ..... يَعِشْ أبَدَ الدهْرِ بَيْنَ الحُفَرِ


قد يعيش الانسان غربة جسدية ، او ان يشعر بغربة روحية ، والثالثة غربة تجمع بين الجنيسن.


يحن الجسد للروحانية ويشتاق لقدوم لحظة التزاوج بينهما والالتقاء حتى يرتاح ولا يشعر الانسان بفراغ وتعب روحاني يضعف قوة الجسد ويطرحه دون حراك مكانه خائر القوى ، فتكون جرعة من الروحانية والشعور طاقة ليعود الجسد ويستجمع قواه ليكمل الطريق بعد ان بدأها وقد شارف على عبور خط النهاية ، فمهما زرع الشوك في الطريق الوعر الا انه يتوقف في محطات بجانب الطريق ليحصل على جُرع الطاقة وتقوية ذاته ليحقق الهدف والانتصار.


الغربة الروحية خطيرة ، اذ بامكانها اهلاك الجسد ، تاخذه لمناطق الفساد والجهل ، وهو متخبط داخله ، يعلم سيره في طريق ملتو لا يوصله لبر النجاة الا انه سائر فيه فقوة خفية تسلطت عليه وحكمته عند غياب الروحانية وثقب كبير وفراغ روحي يعيشه لم يتمكن من مواجهته والوقوف له بالمرصاد فغلبه وصرعه.


على الفرد العودة للجدول وأخذ جرعة طاقة ، جرعة من المصدر الاصلي ومن النقاط المتفرقة على حواشي وجوانب الطريق وعدم اهمالها ، كي لا تتفرق نفسه وتتكسر لقطع تنتشر في كل الجهات ، عليه ان يرتبها وينسق بين مفردات ذاته ، روحه وجسده لا تصطدم ، متناسقة ولا تختل بلا تعارض ، لا تسكن وتتحرك مع بعضها بشكل منتظم مستمر.


في بلاد الغربة تعاني القلوب والالباب حدا من التصحر والجفاف ، فيقل المنتوج من هذه المزرعة، الا وهي الحياة الدنيا ، فان الدنيا مزرعة الاخرة ، وان قل منتوج المزرعة فذلك يؤثر على الاجر مقابل المحصول ، فعلى الانسان والمزارع في مزرعته الخاصة ان يبحث عن بئر او نبع ليزيد من خـَـضار حقله ويضاعف المنتوج الغض الطيب الذي يفيده يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من اتى الله بقلب سليم.


طريق الدنيا قصيرة، فالغربة الجسدية عن البيت والروحية كذلك مهما طالت فانها قصيرة ، وبعد العودة من الغربة للاهل والاصحاب فان هذه الفترة قصيرة ايضا ، فالحياة تمتد الاف السنين في التاريج والماضي الذي لا يعرفه الا الله ، وللانسان عودة الى ما خلق منه ، فلا يدري احد اين كانت الخلايا والذرات التي تكونت منها هياكلهم الاولى ، الانسان ينمو من بويضة عالقة في رحم حتى يصير جسدا مسجى في كفن ، ويرد الى التراب والدود ، في ظل الغربة ينسى الانسان انه خلق أول مرة ولم يكن من قبل شيئا ، فيتمرد في غربته ويتطاول كما لم يفعل قبل مرّة، فيحتاج لدفعة قوية حتى يقوم على الحق ليدفع الباطل ، وأن ينهض بالخير ليقضي على الشر، محدود الاجل واسع الامل حتى يختلط الرفات بالتراب فيصير ترابا.


يفيق الانسان من غفلته وغربته، علم ام لطريق الدنيا نهاية وآخرة ، هذا حافز له على الخير في الحياة الدنيا والحافز على اصطلاحها وانمائها ، يرتفع عن درك الحيوان لتكون اهداف الحياة اعلى من ضروريات الحيوان ، ولتكون دوافعه وغاياته ارفع من دوافع الحيوان وغاياته ، وهو حال الانسان في غربته وحين ينحل ويتخلى عن مبادئه ويتنكر لدينه ولتاريخه.


يا ليتني يقول يوم لا عودة، يا ليتني امنية فيها الحسرة ، يتمنى العودة للحياة الدنيا ليعمل ويزرع حقله لاخرته ، لكن لا عودة حينها، فقد اخذته الغفلة الى المعصية ، غربة في بلاد الغربة ، اراد المتاع من الحياة الدنيا في غير موضعه، والمتاع ينتهي الى اجله ، ان الدنيا ليست لحيّ وطنا، ان الدنيا مكسب لمن اتخذ صالح الاعمال سُفُنا ، فريتفع في رياض الجنة ، لا ان يكون محبوسا يعذب في نار الجحيم.


صعبة هي غربة الجسد ، وان تزاوجت مع غربة روحية فتصعب وتزداد تعكرا وتعقدا، وان حان وقت فراق تزاوج الروح والجسد والانسان في حالة غربة روحية وروحانية فويل له يومئذ من عذاب شديد ، ويل له فانه سيكون حطبا لجهنم ، على الانسان ان يكون سيد نفسه في بلاد الغربة بعيدا عن الاهل والاصحاب والاحباب ، عليه ان لا يسمح لغربة الجسد وابتعاد الرقيب البشري احالته لغربة روحية روحانية، عليه ان يكون سيد نفسه ومالكها وليعلم ان غربته لا تعني الانفلات، وإن الله يراه اينما كان وسيحاسبه على عمله وما قام به ، فعلى الفرد العودة الى الله ، الهرب من غربة الروح ، يتجرع المقوي والطاقة للعودة الى تزاوج الروح والجسد حتى لو كان ذلك في بلاد الغربة فهي مهما كانت قاسية لن تكون أشد من الله ومن عذاب الله ، والله شديد العقاب ، فتوبوا الى الله إنه غفور رحيم.

0 التعليقات:

إرسال تعليق