تحت عين الرقيب

وَمَنْ يَتهَيّبُ صُعودَ الجِبالِ ..... يَعِشْ أبَدَ الدهْرِ بَيْنَ الحُفَرِ


نهضت من نومك والمؤذن ينادي " الصلاة خير من النوم" ، قمت تركض مسرعا الى الحمام لتتوضأ وتهرول إلى المسجد لتصلي الفجر ، المنادي ينادي وجاء وقت الانتظار فاستغله المصلين داخل المسجد بكثرة الاستغفار ، وهو يرتدي ملابسه صديقه يتصل به ليذهبا معا في السيارة من سكن الطلاب في جبل المشارف إلى المسجد الأقصى المبارك لأداء صلاة الفجر ، حال طالب يدرس في الجامعة العبرية في القدس.
وصل الشبان البلدة القديمة ومعهم طلاب آخرين لاقوهم في الطريق متجهين للأقصى سيرا على الأقدام ، دخلوا أسوار المدينة المحصنة ، حتى اصطدموا بجنود إسرائيليين عند باب حطة وهو الوحيد المطل على ساحات المسجد الأقصى ويفتح عند الفجر من بين باقي الأبواب الموصدة بإحكام ، هؤلاء الجنود يتبدلون وفي أحيان كثيرة من الطائفة الدرزية هم ، فيسالون " من وين الشباب" ، فتجيب من الشمال وادرس في الجامعة العبرية ، فيأتي دور مزاج الجندي ، فإما أن يسمح لك بالدخول أو أن يستمر بالحديث والأسئلة المملة التفصيلية يطلب بطاقة الهوية ، يسجل رقم البطاقة وربما يحتجزها حتى الخروج من الصلاة.
عند الباب من الداخل يجلس حارس من الأوقاف تسلم عليه وتدخل ، ترى قبة الصخرة ذهبية ومن فوقها سماء مظلمة تنتظر بزوغ الفجر ، فتسرح بجمالها وتبدأ بالدعاء وإذا بمقيم الصلاة يقيمها فتضاعف وتيرة مشيك كي تصل فالطريق من البوابة الخارجية حتى الصف الداخلي في المسجد الأقصى طويل ، مررت بجانب الصخرة والمسجد القبلي أمامك وفي الساحات رجال كثر يسرعون ليلحقوا الركعة الأولى فلا يصلوا صلاة المسبوق ، خلعت حذائك خارجا ودخلت المسجد وتعلم انك مرابط واجر الصلاة مضاعف أضعافا كثيرة ، تعلم انك في مكان مقدس صلى فيه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، دخلت بقدمك اليمنى وقلت " اللهم افتح لي أبواب رحمتك" فانشرح صدرك ولفرحتك وحسن ظنك بربك بدأت تدعوا الله وأنت ترى مكانك في الصف الأخير على جهة اليمين ، والصفوف تترتب كما لا تترتب إلا في صلاة المسلمين ، وددت أن تكون في الصف الأول فخير صفوف الرجال أولها ، إلا أن الظروف حالت دون ذلك . ما زال في طريقه إلى الصف حيث رأى نفسه يقف وغارق في الدعاء هو ، فاستفاق من السرحان والدعاء بسماع صوت قوي يهز المكان ، صوت المصلين يقولون " آمين" بعد أن أنهى الإمام الفاتحة ب " ولا الضالين".
انضم للصف ، صلى وسلم ، بقي في مكانه للدعاء والاستغفار ، يمر بمرحلة مصيرية في حياته ، انه غارق في الدراسة والكتب ، فترة امتحانات ووظائف ، بعيد عن عائلته وبلده ، رفاق جدد ، شركاء لم يعرفهم من قبل ، يبني بيتا ويبحث عن زوجة المستقبل فيجتهد بالدعاء والتوسل لله ، انقطع عن عالمه ومن حوله للحظات وتركز في دعاءه وعلاقته مع الله وهي علاقة تتجسد فيها الصلة بين الرب وبين العبد ، وفجأة انقطع الدعاء بعد أن ارتطم به شيء صلب صغير ، بدا بالبحث عنه بخوف ودهشة ، انقطع عن الدعاء في لحظة تركيز ، فنظر إلى الأرض فوجد أن الجسم ليس إلا حبة ملبس ، ذهل ونظر حوله ليجد مصدرها ، رأى رجل في الأربعينات من عمره يسير بين المصلين ويرمي لهم الملبس ( بَبُونـِـسْ بلغة أهل المثلث) ، فمنهم من رآه فيلتقطها ، آخر جلس متكئ على عامود المسجد ليأخذ قسطا من الراحة فأصابته حبة الملبس بكتفه ، ومن يقرا القران مرت وهوت بجانبه ، أما إن كانوا عدة أشخاص مجتمعين فيحصلون على عددهم حبات ملبس ولا يضطهد احد منهم.
للوهلة الأولى قد يغضب الفرد لكن ابتسامة الشيخ القناص وطريقة توزيعه الملبس على الناس تجعل الإنسان بفرح ويبتسم ، بل تجعله ينتظره في صلاة الفجر من اليوم التالي ل " يصطاده" بحبة ملبس فهو حلو المذاق لذيذ الطعم ، ينتظر راميَ الملبّس.

2 التعليقات:

أزال المؤلف هذا التعليق.

أحيي بدايتكم هذه في مجال التدوين
راقني انتقاءكم لبعض المواضيع , كونها حيويّة ومطروحه بطريقة شيقه
نأمل جديدا مميزا منكم في كل زيارة لنا هنا
تقبل مروري
وفقك الباري .

إرسال تعليق