تحت عين الرقيب

وَمَنْ يَتهَيّبُ صُعودَ الجِبالِ ..... يَعِشْ أبَدَ الدهْرِ بَيْنَ الحُفَرِ

شادي صدقي أبو مُخ

يعيش مجتمعنا العربي منحدرا أخلاقيا خطيرا يهدد كيانه ويهز أركانه ، أركان مضعضعة تزداد هشاشتها يوميا . ذلك لابتعاد الناس عن
المنبع الصافي والتوجيه السليم واتخاذهم سبلا التوائية ممنهجة دربا لهم ومرجعا موجها في حياتهم . مما يضمن تأشيرة دخول لدوامة نعلم ملامح مدخلها نجهل مضاعفاتها وعواقبها ، تفائجنا نتائجها نظنها قاسية، فتزعزعنا الحالة التالية.

مجتمع مضغوط, غضبه متأجج ثائر يهدد بالانفجار كل حين ، طاقات تنفق وتهدر في غير موضعها بتهور، هتك أعراض ، اعتداء على الحرمات واستباحتها ، قتل وضرب، سرقة وتخريب ممتلكات ، تهديد ووعيد ، مشاكل عائلية واجتماعية، مادية واقتصادية، منزلق سلس مُـغر ، احترام وتوقير للجاني خوف ومكانة ورفعة ، تغرّه فيزداد غطرسة وعربدة ، تجنيد شباب غض لعالم الاجرام القبيح ، تدمير وهدم حياتهم بلا شفقة لمجرد تحقيق مارب هم ضحيتها، لتبك أم بحرقة فلذة كبدها.

يقول سيد قطب رحمه الله في مقدمة كتابه " معالم في الطريق" : ( تقف البشرية على حافة الهاوية، لا بسبب التهديد الفناء المعلق على رأسها، فهذا عرض للمرض وليس هو المرض ، ولكن بسلل افلاسها في عالم "القيم" التي يمكن أن تنمي الحياة الانسانية في ظلالها نموا سليما ونترقى ترقيا صحيحا.)

فساد أخلاقي متشعب، مجال يبدع فيه أهل الاختصاص وناشروا الفتن، يرى البعض الغرب وأعوانهم السبب وغزوهم الفكري ، إلا أن مجتمعنا يفتقر للفكر أصلا ، فالأهل نسوا دورهم الأول ، نسوا أنهم مدرسة القيم والأخلاق وانشغلوا بالانتاج المادي وليس في بناء الانسان ، متجاهلين أن بناء الانسان هو الأساس ، بناء يُوجب استنفاذ كافة الموارد وتسخير الجهود لتقويته وصلابة أساساته ، كي لا يكون أهون من بيت العنكبوت تتلاعب به الرياح حيث تدور، فالابنية لا تنهار بأسباب وعوامل خارجية ، انما هو النخر الباطن.

يقول الشيخ ابن القيم رحمه الله في كتابه " تحفة المودود بأحكام المولود" : ( الأطفال هم المستقبل، وهذا شعار حقيقة لا مجاز ، واقع لا خيال، فمن ثم ينبغي أن يصرف الهم الأكبر الى تهيئتهم ليكونوا مؤتمنين على مستقبل أمة الاسلام ، وينبغي أن نتخلى أن نظرتنا الى هؤلاء البراعم على أنهم لعبة ملهية نتسلى بها وننسى أن تربية الأطفال مسئولية سنسأل عنها يوم القيامة كما روى أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ان الله تعالى سائل كل راع عما استرعاه، أحفظ ذلك أم ضيعه، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته.))، وأول قلعة يتحصن بها الطفل هي الأسرة، أقوى مؤسسة تربوية على الإطلاق، والوالدان بصفة خاصة).

فضل ربنا بني البشر ووهب لهم العقل ، رفعهم عن درك الحيوان ، وبهذا تكون أهداف حياتهم أرقى وأرفع من ضروريات الحيوان. هم يفكرون ويتفكرون ، يتحركون من دوافع واعية مسئولة، فيعيش الفرد بسلام مع نفسه ، يصلحها ويقومها لأنها أول ميدان للعمل ، فان استطاع اصلاحها كان أقدر على اصلاح غيرها ، ويذكر الانسان أنه خلق ولم يكن من قبل شيئا ، فيفهم دينه يأخذ تعاليمه من منبع صف لا يشوبه جهل البشر ، فالايمان الصحيح متى استقر بالقلب ظهرت آثاره في السلوك والعمل.

تعاني القلوب والالباب تصحرا وجفافا ، لم تتذوق حلاوة الايمان الحق ، فمن واجب الفرد أن يهتم بأمور أمته ويحاول الاصلاح قدر جهده ، حتى لو لم يستقم فانه يكون قد أدى واجبه ، وان لم يكن الانسان صالحا بذاته فلن تنفعه استقامة المجتمع ، وورد في الصحيحين عن النعمان بن بشير رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى شيئا تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) . وفيهما عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ، وشبك بين أصابعه( .

على أهل العلم والدراية، أصحاب المسئولية والمناصب ، على كل فرد منا أن يعمل من موقعه ويحشد أجناده ، نكاتف جهودنا ونجد معا لاعادة السكينة والطمئنينة للمواطنين ، حكمة الشيوخ توجه حماسة الشباب ، نعيد لمجتمعنا الفرحة والهيبة ، نردع العنف ونوقف قطار الشر ، نحارب الفساد ونرسم على شفته ابتسامة صادقة مشرقة نحو غد أفضل.

يجب أن نتناول الدواء والا نكتفي بتشخيص الداء، نعمل بحنكة ، نتدرج في الخطوات ولا نتعجل في جني الثمار . حتى يكون حل الضائقة والأزمة جذريا ، علينا الاصرار والتصميم لتحقيق مجتمع امن ومدنا ينعم العيش فيها ، لتكون فينا طبيعة وصفة الماء ، اذ يخترق ويفتت الصخر الأصم بلا ضوضاء أو طلب جاه وسلطان.
معا ، يدا بيد ، نحو مجتمع أفضل.

0 التعليقات:

إرسال تعليق