تحت عين الرقيب

وَمَنْ يَتهَيّبُ صُعودَ الجِبالِ ..... يَعِشْ أبَدَ الدهْرِ بَيْنَ الحُفَرِ

يجتمع في مساجدنا عند صلاة الجماعة أهل الحي أو البلد ومن مر حين الصلاة فدخل المسجد ،نجد في المساجد جميع شرائح المجتمع باختلاف أشكالهم وألوانهم ، مناصبهم وأعمالهم ، مكان فيه الجميع سواء خلف الإمام يقفون صفا مستويا لا خلل فيه بعد أن يكبر الإمام تكبيرة الإحرام ويدخل في الصلاة ليخشعوا ويعظموا شعائر الله تبارك وتعالى ، يجلب الرجل معه ابنه ليعلمه الصلاة ويفخر به أمام المصلين إذ أنه ينميه على طاعة الله ويربيه وفق تعاليم ديننا الحنيف ، فالبذرة الطيبة التي تزرع في الطفل تبقى معه ، ولوالديه خير وأجر كبير في ذلك، والابن يشكر لهم ذلك حين يقرأ الحديث في صحيح البخاري وراويه أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : { سبعة يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله : إمام عدل ، وشاب نشأ في عبادة الله ، ورجل قلبه معلق في المساجد ، ورجلان تحابا في الله ، اجتمعا عليه وتفرقا عليه ، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال ، فقال : إني أخاف الله ، ورجل تصدق بصدقة ، فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه } ، ويرى حين يكبر ما آل اليه أترابه الذين تركهم أهلهم بعيدا عن المساجد ومجالس الذكر لينموا نموا فاسدا ، وربما لا يبدر منهم الا الخبيث لما تلقوا من أهلهم ، قال تعالى في سورة ابراهيم { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ (26) } .

من هنا نرى أهمية اصطحاب أبنائنا الى المساجد لنكسب رضى الله تبارك وتعالى ولنكسب أبنائنا ونكون مسئولين عنهم ونـُؤد الأمانة التي أمننا عليها الله ، وكما ورد في صحيح البخاري في الحديث الذي رواه أبو هرير عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : { كلكم راع فمسؤول عن رعيته ، فالأمير الذي على الناس راع وهو مسؤول عنهم ، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم ، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده ، وهي مسؤولة عنهم ، والعبد راع على مال سيده وهو مسؤول عنه ، ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته } ، وفي الاية الكريمة في سورة التحريم قال الله تبارك وتعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6) }.

من الناس مَن يتذمر مِن تصرّف الأطفال ويطالبون الآباء بعد اصطحاب أبنائهم الى المساجد لأنهم يشوشون عليهم ويخرجونهم من الخشوع ، ويخربوا في المسجد ، وكمسلمين لنقرر أي شيء علينا العودة لأمر الله وتعاليم ديننا ، واضع هنا بين أيديكم فتاوى حول الموضوع :

يقول سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله :اصطحاب الأطفال المميزين للمساجد من الأمور المستحبة ؛ ليتعودوا على الصلاة في جماعة ؛ وليتفقهوا فى الدين ؛ وليتعلموا كيفية مخالطة المسلمين ؛ ولا شك أنه من الواجب على ولي أمر الطفل أن يعلمه الصلاة وآداب دخول المساجد؛ وينبغى على المصلين أن يتحملوا ويصبروا على عبث الأطفال إن بدر منهم عبث أثناء الصلوات ؛ كما ينبغى عليهم توجيههم بالحسنى كي نحببهم فى ارتياد المساجد؛ ومن الجائز إدخالهم فى الصفوف ليتعلموا كيفية الانتظام والاعتدال والتوحد. وفي فتوى أخرى للشيخ ابن باز رحمه الله : الطفل الذي دون السبع يبقى عند أهله حتى لا يشغل الناس، ينبغي أن يبقى عند أهله حتى لا يحصل به إيذاء للناس، أما إذا كان الطفل قد كمل السبع فأكثر فهذا يصلي مع الناس؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر الصبيان بالصلاة، أمر الأولياء بأمرهم بالصلاة فقال: (مروا أبناءكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر)، فعلى آبائهم وعلى إخوانهم الكبار أن يخرجوا بهم إلى الصلاة وأن يوجهوهم ويؤدبوهم إذا آذوا الناس ويمنعوهم حتى يستقيموا على الطريق السوي، وحتى يصلوا مع الناس من دون أذى.

وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء بالسعودية: الصبي يؤجر على صلاته إذا بلغ سن التمييز، وأتى بفروض الوضوء وبالصلاة على وجهها .

ويقول الشيخ صالح الفوزان من علماء السعودية : أخذ الأطفال للمسجد فيه تفصيل، فإن كانوا يبلغون سن
السابعة فإنه يذهب بهم إلى المسجد من أجل تمرينهم على الصلاة وتربيتهم عليها وتصح منهم نافلة، وإن كانوا دون السابعة فإنه لا يذهب بهم إلى المسجد إلا إذا أمن من أذاهم المصلون،وأمنت إساءتهم إلى المسجد أو تنجيسه بأن أمكن ضبطهم، وكان هناك حاجة إلى الذهاب بهم، كأن يخاف عليهم إذا بقوا في البيت.

ويقول الشيخ ابن جبرين من علماء السعودية : يجوز صلاة الصبي المميز في أثناء الصف بعد أن يؤدب ويعلم احترام المسجد والمصلين بشرط الأمن من العبث، وبشرط الطهارة الكاملة، والأولى أن يكون الصبيان خلف الرجال إلا إذا خيف من اجتماعهم كثرة اللعب والضحك الذي يشوش على المصلين فالواجب تفريقهم، فأما من دون التمييز فلا يمكنون من دخول المسجد وقت الصلاة أو أثناء الخطبة فإنهم لا يعرفون حرمة المسجد.

وفي فتوى للشيخ محمد بن صالح العثيمين
إذا كان الأطفال مميزين، ولا يحدث منهم تشويش على المصلين فإنه لا يجوز إخراجهم من المساجد أو إقامتهم من
أماكنهم التي سبقوا إليها، ولكن يفرق بينهم في الصف إذا خيف لعبهم.وإذا كان يحدث من الأطفال صياح وركض في المسجد، وحركات تشوش على المصلين، فإنه لا يحل لأوليائهم إحضارهم في المساجد، فإن أحضروهم في هذه الحال أمروا بالخروج بهم، وتبقى أمهاتهم معهم في البيوت وبيت المرأة خير لها من حضورها إلى المسجد.فإن لم يُعرف أولياؤهم أُخرجوا من المسجد لكن بالرفق واللين لا بالزجر والمطاردة والملاحقة التي تزعجهم ولا يزيد الأمر بها إلا شدة وفوضى. والله الموفق.

وأرى أن في قول المشايخ رحمهم الله وجزاهم الله بعلمهم خير الجزاء ونفعهم به يوم الحساب قولا فصلا يوضحون فيه الموضوع بكل حيثياته وتفصيلاته .

على الوالد أن يكون قدوة لأبنائه ، ولكي نعود الطفل على العادات الايجابية والحسنة فنكرر العمل ونواظب عليه ، فما يغرس في الطفل الصغير لا يفسد ويبقى في رصيده حين يكبر ، " فالطفل الذي تربى في بيت يعرف لله حقه، تربى في بيت يُصلى فيه لله تعالى وتُقام فيه فرائضه وتُجتنب فيه نواهيه، هذا الطفل سيظل محتفظًا في جعبته برصيد من الفطرة والنزعة للتدين ويقظة الضمير ما تجعله أوابًا رجَّاعًا لله تعالى، وتجعله مهما بعُد أو أثرت عليه نكبات الطريق من رفقاء السوء أو الإعلام المفسد أو القدوة السيئة، سيظل ثمة نداء داخلي ينادي عليه: "أن يا بني، ارجع إلى الله". فيأمر الأب ابنه بالصلاة ويحثه عليها وكما ذكرت يكون قدوة حسنة له ، فيقول له قم فصلّ ، ويأخذه معه الى المسجد ليعتاد ارتياد المساجد منذ صغره ، فيتأثر بأهله حين يراهم يصلوا ، يعلم ابنه الصلاة الصحيحة كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويعاقبه ان تركها وهو مأمور بها ، يعلم الأب ابنه اداب المساجد ودخول المساجد وكيفية التصرف في المساجد كي لا يتذمر الناس منهم ، فيكون الطفل مرغوب به ، ويكبر ويترعرع بما أمر الله ويكبر على ذلك.

1 التعليقات:

بارك الله فيك أخي!

بالفعل هو واجب الأسرة والوالدين تنشئة الأبناء على الفطرة السليمة.. على دين الإسلام وعلى حب الله وحب كل عمل يقربهم إليه!

واجب البيت أن يكون نواة حسنة يخرج منها هذا الطفل محصّنا راسخا.. ثابت العمق قويّا مستقيما.. عصيّا على المعاصي والذنوب والفتن!

والشاب الصالح في الغالب بدأ من طفل شبّ وترعرع على الخير والصلاح!

بارك الله فيك وجزاك خير الجزاء :)

إرسال تعليق