تحت عين الرقيب

وَمَنْ يَتهَيّبُ صُعودَ الجِبالِ ..... يَعِشْ أبَدَ الدهْرِ بَيْنَ الحُفَرِ

بعد يوم طويل اتصل بي صديقي محمد عبد الرحمن من كابول الجليلية ، ندرس معا في القدس ، سائلا ان كنت اود اداء صلاة التراويح الاولى لشهر رمضان المبارك ، فاجبت ان الامر بديهي ، قبل اذان العشاء بساعة انتظرنا اسامة عباس من المغار في سيارته لنذهب معا ، قد اراد ان يصلي في الصف الاول ، نسكن بضع كيلومترات خارج البلدة القديمة ، ازدحام مروري واناس يتدفقون نحو المسجد بغزارة ، لم نجد موقفاً للسيارة عند باب الأسود القريب من باب الاسباط ، اوقفناها في مكان بعيد نسبياً ، أخذنا من أسامة مسواك ومسبحة ، باركنا له أداء مناسك العُمرة وعودته سالما ، دخلنا ساحات المسجد من باب الأسباط ، حلة قشيبة ارتدى الحي ، أضواء ملونة وفوانيس ، أناس يبتسمون رغم سوء الحال، تجولنا في الساحات فالتقيت بشباب شدوا الرحال من مدينتي ليصلوا التراويح في الأقصى ، صافحتهم واتجهت جنوبا صوب المسجد القبلي لكن لم أدخله فافضل أن أصلي في الساحات تحت ضوء القمر ونسيم عليل يدغدغ وجوهنا فينعشها.

صحن الصخرة والصخرة تعج بالنساء ، الساحات حول المسجد القبلي غـُطت وغصّت ، أقدام متوضئة حَطـّـت ، شيوخ وأطفال ، شيب وشبان ، آباء وأبناء ، لم تــُفرش الساحات ببساط ناعم الملمس ، لم تــُخطط بصفوف مستقيمة ، إلا أن صفوف المصلين مُسوّية مُستقيمة ، فاتخذنا من الفراغ بين الحجارة المالسة راصفة الساحات خطوطا تُسوي وفقها الصفوف وَسَددنا الفـُرَجْ ، نظرت خلفي وقد كنت في الصف الثاني أو الثالث فلم أرى نهاية الصفوف على الجوانب وخلفنا امتدت حتى الدرج صعودا لصحن الصخرة ، ففصل الدرج ذا الساعة الشمسية بين صفوف الرجال والنساء.


شعور بالفرح والاشتياق لشهر الخيرات ، شهر البركة والمحبّة ، شهر تصفى فيه القلوب من الشوائب ، صيام في شهور الصيف الحارة ، يتذلل الانسان ويُرغم نفسه على الصيام فتصبخ نفسه للصيام تواقة ولمكسب يوم الحساب مشتاقة ، محبة للعطش والتعب لكسب الأجر ورضى الله.


بعد أذان العشاء انتظرنا عشر دقائق لإقامة الصلاة ليتاح المجال للمتأخرين بسبب أزمة السير الوصول والصلاة ، أمّ الشيخ أبو سنينة أربع ركعات فرض العشاء ، صلينا ركعتي السنة وعادة الشيخ أبو سنينة وصلى بنا ثماني ركعات تراويح ، أكتفينا بها لظروف العمل إذ لم نتمكن من الإكما معهم حتى الركعة العشرين ، بعد الثامنة انتظر الإمام قليلا حتى يخرج من اكتفى ويدخل للصفوف الأمامية من يريد إكمال العشرين ، عند وصولنا لباب القطانين سمعنا صوت إمام آخر ليس أبو سنينة ، شاب صوته ندي قوي ، ندبت حظي ووددت لو أعود لأكمل وأصلي خلفه ، لا أقصد بقولي التقليل من شأن الامام أبو سنينة ، معاذ الله ، فانه من رواد الأقصى وحاميه ، صوته جميل فبارك الله فيه وجزاه خيرا.


خرجنا من باب المجلس مرورا بحي الواد لنصل باب العمود ، السوق منتعش ، اكتسى بحلة رمضانية ، فانوس رمضان ، مسابح ، مصاحف ، مصليات ( مفارش صلاة) ، ملابس صلاة للنساء ، حلويات ولحوم ، تجار يربحون وعائلات تأكل فرحة ، أخرى لا تجد ما تقدم عند الفطور فيأتي دور أهل الخير والجيران ولجان الصدقات ، لا يبقى شخص عُلم أنه محتاج إلا حصل على المساعدة ، هذا هو رمضان وحلاوته ، حلاة ديننا الحنيف ، قوة المسلمين عند العودة لدين الله ، فرمضان ليس من عاداتنا ، بل هو من أركان ديننا وعقيدتنا.


عدنا أدراجنا لمساكن الطلبة ومنا مَن خرج للعمل في وردية مساء ومنا من نام ليستيقظ باكرا ليعمل ، على أمل اللقاء قبيل مغرب يوم السبت ، الأول من رمضان لنفطر في ساحات الأقصى إذ أن مؤسسة الأقصى للوقف والتراث ولجان أخرى توفر وجبات الفطور للصائمين ، نصلي المغرب والعشاء والتراويح ومن ثم نعود شمالا لبيوتنا عند أهلنا ، وإن عدنا للقدس في الأسبوع القادم ، لن نصلي التراوريح ، إلا في المسجد الأقصى المبارك ، مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

0 التعليقات:

إرسال تعليق