تحت عين الرقيب

وَمَنْ يَتهَيّبُ صُعودَ الجِبالِ ..... يَعِشْ أبَدَ الدهْرِ بَيْنَ الحُفَرِ


في فترة الانتداب البريطاني عاش الناس بشكل متواضع ، اهتموا بتحصيل قوت يومهم وأداء واجباتهم الدينية والعائلية والاجتماعية.

تصادمت أحيانا مصالح السكان ، واغلبهم ريفيين اعتمدوا على الزراعة وتربية المواشي ، وقلة اهتمت بالتجارة اغلبهم أبناء المدن كحيفا ويافا والناصرة وبيسان والقدس وبئر السبع والرملة واللد، فانحصرت مشاكلهم على الأراضي والمرعى وعين الماء.

كان بحوزة البعض منهم أسلحة بحكم خدمتهم في جيش العثمانيين أو لمقدرتهم شراء السلاح بسعر ستة قروش تقريبا آنذاك ، وقد يكون الفرد قد خدم وكان عميلا لصالح البريطان ، ومنهم من خدم في الثورة وحصل على السلاح من قائد فصيله بعد أو وصله من قائد الثورة بتمويل ومساعدة أهل الشام والأردن أو شرائها منهم.

لم تستعمل الأسلحة إلا ما ندر في مشاكلهم ، وان استعملت فالسلاح الأبيض اخطر من استعملوا كالخنجر والسيف وقل استعمالها خلافا لما يظهر في المسلسلات الشامية ، وحديثي عن الريف الفلسطيني. كان للختيارية وكبار السن دور، احترام وتقدير ، سُمعت كلمتهم ولم يتمرد احد من الشباب، لكل عائلة وجهاء لديهم خبرة من الحياة وحنكة ومقدرة على حل المشاكل ، والشرطة البريطانية لم تتدخل إلا في حالات شاذة كالقتل فتستغل الفرصة لفرض حكم الإعدام ، ودفعت عائلة القاتل دية فتحل القضية وقد يهجر أهل المجرم لفترة ثم يعودوا بعد أن تهدا الخواطر والأرواح.لا اقلل من قضية القتل لكن اظهر طرق تعاملهم معها ، إذ أن أبناء القرية أخوة وأقرباء وجيران ، شاركوا بعضهم الأفراح والأتراح ، عند الحاجة والضيق ن فكان مثلا عيب على الناس بيع الحليب ، وان كانت عائلة فقيرة يجعلوا من حلالهم غنمتين يخصص حليبها لهذا البيت ، أو أن يضعوا الحليب عند مدخل البيت فتاتي أي امرأة من القرية تدخل وتأخذ الحليب دون أن تطلب من أهل البيت ، أو أن تخبز امرأة في طريق الطلاب لمدرستهم وتطعمهم خبز طابون تسر رائحته المارين.
فرحوا بمعيشتهم المتواضعة ، صلوا الفجر في المسجد ، افطروا مع العائلة ، اخذوا الزوادة وذهب كل في حال سبيله ، فالأب والإخوة الكبار للأرض يفلحوها ، الإخوة الصغار للكتاب أو المدرسة إن وجدت ، وتساعد الفتيات أمهن في عمل البيت ويرسلن الغداء للكادحين في الأرض ، لو اقتصر أكلهم على رغيف طابون ، زيت وزيتون وفحل من البصل حمدوا الله على نعمه ، ويعودوا قبيل الغروب للبيت يجلسون مع بعضهم ، ويلتقي الرجل مع أقربائه في المسجد للصلاة ومن ثم يجلسون في ديوان أو مضافة احدهم ، يتناقشون ويحلون المشاكل بكل سلاسة إن وجدت.
استمر ذلك حتى السنين الأخيرة ، حين لم يعد يطق الناس بعضهم البعض ، فنجد الأخوة تقاتلوا بسبب تقسيم الورثة أو لعراك بين أولادهم الصغار على دمية أو كرة ، الأصدقاء يتخاصمون لأجل فتاة رافقت العشرات ، الجيران يضربون جيرانهم لبنائهم جدار أو لانحناء فنن شجرتهم عندهم ، رواد المقاهي تلاكموا لمباراة كرة قدم ، والأمثلة كثيرة.
فقد كبار العائلة هيبتهم وتمرد الصغار ، سلاح ومخدرات تحاصر الأمة ، زنى وسكر مقيت ، كراهية وحسد ، حب كره الآخرين ، هذا حال مجتمعنا اليوم مزقته النزاعات ، كل ذلك سببه الابتعاد عن دين الله وإتباع الشهوات والهوى ، فالاعتداء على سلطان الله يولد الاعتداء على عباده.
على الناس رد الحاكمية لله في أمرهم كله ، أن يعودوا لدين الله ويستسقوا ويأخذوا منه منهجهم الحياتي ليعيشوا بكرامة ، ولن يحدث ذلك إن لم يعقدوا النية لذلك ، فان الله لا يغير ما يقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ، وان لا يتبعوا رغبات معجلة مهزومة ، حينها يتحول خط سير الحياة وتعود المياه لمجاريها الطبيعية ، ويعود الناس لفطرتهم ، ويعيشوا بأمن وسلام.
إن انتشار السلاح يثير حفيظة السكان ، وما يخيفهم استعمالها بطرق خاطئة ، إذ أن خلاف بسيط يحفز صاحبه لان يحضر سلاحه ويقتل رب عائلة تزوج حديثا وله ولد طفل رضيع ، رمل امرأة شابة ويتم طفل رضيع وثكل الوالدان فلذة كبدهما لمجرد حادث عابر لا يساوي شيء، فالتسرع وإشهار السلاح بات حاضرا بقوة بين المواطنين ومقلق توزيعه بين شريحة الشباب المتهورين الطائشين ، في لحظة غضب يدمرون حياة بناها آخرون في ذهنهم ودوا تطبيقها على ارض الواقع ، فاحذروا وان كان بحوزتكم سلاح سواء مرخص أو غير ذلك فلا تستعملوه وفكروا مرتين قبل إخراجه وتوجيهه على احدهم أو للتخويف وتخريب الممتلكات الخاصة والعامة ، وليس بالسهل أن أقول لكم ارموا السلاح فترمون ما نصحتم وتلقوا بأقوالي عرض الحائط.
لسان حالنا كقول الشاعر زهير بن أبي سلمة حين كتب :

ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه يهدم ومن لا يظلم الناس يظلم

بيع المخدرات ضارب الأطناب ، أغروا الشباب في ظل الوضع الاقتصادي الصعب فمالوا وتوجهوا للمخدرات لينسوا ما حولهم فأدمنوا ونسوا أنفسهم بل فقدوها ولم يعودوا يعرفوا أين طريق العودة إذ أن طريقهم باتجاه واحد بلا عودة ، ارتبطت أنفسهم بهذه المادة السامة ، سرقوا ذاتهم وأهلهم وإخوتهم وأبناء ملتهم لجلب السم واستعماله بأشكاله المختلفة ، دمروا عقولهم وأجسامهم ، وما هذه الروح إلا أمانة أضاعوها فضاعوا ، كيان الإنسان مكون من الجسم والعقل والروح ، وان الجسم هو الوعاء الذي يضم العقل والروح ، ضربوا الوعاء وما يحوي.
انقلبت الموازين واختلت ، عنف ليل نهار ، النهار الذي يحصل به الناس على لقمة العيش والليل الذي يرتاحون به ويلجئون إلى الفراش ، قلب العنف هذا الهدوء والسكينة الحياتية ، نسوا أن الله جعل الليل مظلما ليسكن فيه الناس ، وجعل النهار مضيئا لتحركوا فيه ويبتغوا من فضل الله.
أعيدوا الراحة للسكان ، اعد الراحة لجدك وجدتك الطاعنين بالسن أيها الشاب ، اعد الراحة لوالدين حنونين وهباك عمرهما لتعيش وتنعم وتفرح ، اعد الراحة لإخوتك ولأخواتك ، اعد الراحة لجارك وأقربائك وإخوتك المسلمين ، اتق الله فيهم ، اتق الله بنفسك.
إني احمل المسئولية لعدة جهات ، ولا نلقي بإصبع الاتهام على احد ونترك الباقي ، رغم أن الدور الأكبر والمسئولية الأولى تقع على الأهل وتربيتهم منذ الطفولة ، فان حافظوا على ابنهم حافظ عليهم عند الكبر ، وان أهملوه أهملهم وتركهم ، ومن فقده أهله ولم يقدم لهم الخير فقده المجتمع بأسره ، ولن أخوض بأسباب فقدان الأهل لأبنائهم بسبب إهمالهم إياهم منذ الطفولة وانشغالهم بأمور أخرى وألام الحنون تحديدا.
المدرسة وطاقمها لهم دورهم في توعية الطلاب وتوجيههم ومشاركة الأهل بكل ما يحدث مع ابنهم ، لكنهم لا يتابعون الطلاب إلا من رحم الله ، مما افقد الأهل الثقة بالمدارس ، ولن أخوض أكثر من هذا إذ أن وضع مدارسنا وإهمال الأهل بحاجة لتقرير كامل خاص.
علينا أن نتكاتف معا كجسم واحد صلب قوي ، وان يعرف كل فرد مركزه، موقعه ووظيفته في المجتمع ، وان نتوكل على الله تعالى ونسأله التوفيق ، وان نأخذ العبرة من إبداعه تبارك وتعالى في خلقه وتطبيق ذلك على ارض الواقع ، فجسم الإنسان نموذج متكامل متناسق ، مكون من مجموعة من الأجهزة المختلفة ، وهذه الأجهزة تتكامل في وظائفها ، وتتداخل في ارتباطاتها.



1 التعليقات:

السلام عليكم
اهلا بكم في عالم التدوين الساحر
نامل ان تستنزفوا الكنوز الكامنة في التدوين

تمت اضافة روابط مدوناتكم الى اورطى مدونة زيتونتنا لدعم مدوني فلسطين 48 , مما يعني ان مدونتكم ستشبك مع باقي مدونات فلسطين 48 بما يضمن الترويج لها

تقدم زيتونتنا لكم الدعم التقني و الترويج لمدوناتكم عن الطريق التشبيك بين مدونات 48
وتجدون في زيتونتنا مقالات تعنى بالمدون المبتدئ ,ومقالات للمدون المتقدم حول كيفية استغلاله الامكانيات التدوينية الى حد الاستنزاف


اي مساعدة او استفسار فلا تترددوا بطرحه في زيتونتنا

بالمقابل نرجو منكم ادراج صورة رابط لزيتونتنا في مدوناتكم من اجل المساهمة في التشبيك بين زوار مدوناتكم و باقي المدونات , تماما كما يفعل باقي المدونين


كيف اضيف صورة رابط لزيتونتنا ؟
000000000000000000000000000000000000000000
0000000000000000000000000000000
0000000000000000000000000000000

زيتونتنا
zaytonatona.blogspot.com

إرسال تعليق