تحت عين الرقيب

وَمَنْ يَتهَيّبُ صُعودَ الجِبالِ ..... يَعِشْ أبَدَ الدهْرِ بَيْنَ الحُفَرِ

شادي أبو مُخ - باقة الغربية

أحب مجالسة جدتي والحديث اياها عن أيام قد خلت ، أيام المحبة والبساطة ، لأغذي نفسي وأعتز بأجدادي وتاريخ بلدي ، تصف حياة قاسية شاقة ، صعبة ولذيذة، تآخي الناس وتبني قضية الفرد كقضية جماعية تخصهم ، فأعيش حلاوة ذلك الزمن وافتقد مقوماته وأشتاق لشفافيته ومصداقيته ، فلم نعد نجد صفات السابقون بيننا اليوم ، الا ما ندر.

اتسعت رقعة مدينتي الجغرافية ، تضاعف عدد سكانها ، يقطنها أناس جدد وجدوها مكان ينعم العيش فيه ، فاستقروا ومالحونا المعيشة ، ضعفت الروابط الإجتماعية وهشت العلاقات العائلة ، الحمائل الكبيرة اختزلت لعائلات صغيرة كثيرة ، اختل توازن المجتمع واختلفت تضاريسه ودلائله.

اعتـُبرت المدينة عائلة واحدة ، تشاطرت الأفراح والأحزان ، فقيد عائلة يبكيه الجميع ويشيعوه ، وعريس أخرى يرفعونه على الأكتاف يحملوه ، في حال حزن بيت يلتف حولهم أهلهم ليخففوا عنهم ، وأعراس تلغى تعبيرا عن المودة ، التراحم والاحترام ، حال مختلف عن حالنا ، ولا يخطر ببالنا لاختلاف الأيام ودوران عجلة الزمن.

عند تشييع جنازة في مدينتي أرى أعدادا كبيرة تشارك ، تصلي الجنازة وتيسر فيها حتى الدفن والتلقين ، يحضرون ويقدموا العزاء ، أمر لم أجده في كثير من بلادنا ، لفتة طيبة مباركة، تخفف عن عائلة الفقيد ، إذ يجدون أناسا يقفون جنبهم ويشاركونهم أتراحهم ، أقف متذكرا كلام جدتي ، وألمسه بعد أن سمعته فقط ، فينبعث الأمل وتهمس لي نفسي ، الخير في الأمة حاضر موجود.

أسطر كلماتي هذه لحادثة آلمتني ، فقد شاركت بتشييع جنازة رجل توفي فجأة ، وعدن القبر بعد دفنه بدأ الإمام بتلقينه ، فلم أكد أسمع كلماته رغم قربي منه ، وذلك لارتفاع صوت الموسيقى من كافة الاتجاهات ، من قاعات الافراح واحداها تجاور المقبرة تماما ، رأيت صبيا يتكئ على شجرة أمام الإمام ويبكي بمضاضة ، اعتصر قلبي ألما ، هو ابن المتوفى ، واستشظت غضبا للا مبالاة المحتفلين وأصحاب القاعة بأبناء بلدهم ، لتدوي الموسيقى وتضرب الاذان ، فيرقص على أنغامها بعض ، ويبكي حسرة آخرون .

لنحترم موتانا ، لنحترم عائلة الفقيد ، لنعطي للجنازة والمقبرة حرمتها ، لم أقل أجّلوا أعراسكم ، لكن على الأقل أخرسوا صوت الموسيقى عند الجنازة ، أو لتحددوا صوت الموسيقى فلا تخرح حدود القاعة ، فحتى الأحياء ، جيران القاعات سئموا الازعاج والضجيج ، سئموا قنابل الصوت واطلاق الرصاص ، فيذعر الصغير ويضطرب الشيخ الكبير ، لنهتم ببعضنا البعض نقدر ونتفهم حال الاخرين

0 التعليقات:

إرسال تعليق