مركز الدراسات المعاصرة
ما حدث يوم الأحد الماضي من اعتداء من قبل المستوطنين على أهلنا في يافا الصامدة لم يكن مجرد حدث استفزازي عَرَضي وعابر، وإنما يشْتَّم منه رائحة مخطط جديد للمؤسسة الإسرائيلية هدفه ترحيل أهلنا في المدن الساحلية عن مدنهم وإبقاء هذه المدن خالصة لليهود والمستوطنين.
إن ما حدث في يافا الأحد الماضي هو امتداد لمسلسل الاعتداءات التي حصلت في عكا والناصرة العليا والنقب والقدس واللد والرملة، وهذه الممارسات لا تدع مجالاً للشك أن المؤسسة الإسرائيلية وقطعان مستوطنيها يقومون بعملية استهداف ممنهج لعرب الداخل الفلسطيني.
إن ما قام به المستوطنون، من كريات أربع، من محاولة لطرد العرب من بيوتهم في يافا وتهجيرهم هو جزء من مشروع تهويدي للمدن الساحلية آخذ بالتوسع، فهذه المحاولة هي وسيلة تضاف إلى سياسات هدم البيوت ومصادرة الأراضي وإلى العديد من سياسات الظلم الإسرائيلي التي تهدف إلى ترحيل العرب عن أرضهم.
إن مجيء المستوطنين على متن ثلاث حافلات وعشرات السيارات ووقوفهم قرب حديقة منزل "رحيّل" ومن ثم اقتحامهم لحديقة البيت ومحاولتهم أيضا اقتحام البيت عنوة وهم يرفعون الأعلام ويؤدون الطقوس التهويدية والتوراتية داخل ساحة المنزل، هو حدث استفزازي غير عادي ويجب أن يدق ناقوس الخطر عند أهلنا في الداخل الفلسطيني، فمسلسل الاستيلاء على البيوت في القدس المحتلة والبلدة القديمة ماثل للعيان أمامنا، وهي سياسة إسرائيلية واستيطانية شبه يومية، وما نخشاه أن تطبق هذه السيناريوهات داخل المدن الساحلية كمقدمة للترانسفير الشامل عن الساحل الفلسطيني.
لقد كانت هتافات المستوطنين واضحة: "هذه بيوتنا ..اخرجوا منها". وعليه بات واضحاً الآن أن سياسة الترحيل ستستهدف المدن الساحلية قبل سائر التجمعات العربية، ومن هنا يمكن أن نجزم أن المخطط القادم بالنسبة للمؤسسة الإسرائيلية والمستوطنات يستهدف يافا وعكا وباقي المدن الساحلية تحت شعار "تهويد المدن الساحلية".
لقد كان ملحوظاً تورط المؤسسة الإسرائيلية مع قطعان المستوطنين الذين جابوا الحارات في يافا محاولين اقتحام البيوت العربية وطرد أهلها. وليس أدل على ذلك من تلكؤ الشرطة ,التي لم تكلف نفسها عناء الوصول الى البيت المحاصر إلا بعد أربعين دقيقة، وذلك بعد تأكدها أن مخطط المستوطنين في الاستيلاء على البيوت العربية قد باء بالفشل وأن المستوطنين قد فشلوا في إيصال رسالة الترهيب إلى عرب يافا البواسل، الذين تصدوا لقطعان المستوطنين.
وعليه فإن الوصول المتأخر للشرطة جاء من أجل حماية المستوطنين.إن ما يؤكد التصرف الغريب والمشبوه من قبل الشرطة، هو ما أفاده شهود العيان من عرب يافا الذين يسكنون المنطقة المستهدفة. فالبيوت التي تمت مهاجمتها تقع على الشارع الرئيس، ومن المعهود بحسب الإفادات أن تمر دوريات الشرطة من هذه المنطقة في فترات متقاربة على مدار اليوم، ولكن هذا الأمر لم يحصل عندما أتى المستوطنون المدينة، مما يوحي أن الأمر كان بالتنسيق بين الشرطة والمستوطنين.
وعليه يجب التحذير من أن المؤسسة الإسرائيلية وقطعان مستوطنيها سيحاولون في المستقبل افتعال أزمات تقود في نهاية المطاف إلى ترحيل العرب عن المدن الساحلية، وهذه الأزمات والمناوشات بين العرب واليهود سوف تكون ضرورية بالنسبة للمؤسسة الإسرائيلية من أجل إقناع المجتمع الدولي بأن الدولة باتت غير قادرة على ضبط الأمور وأن عملية الفصل باتت ضرورية من أجل ضمان أمن المواطنين.